لطالما كانت تخرج إعلانات هنا وهناك عنوانها المشترك "عند جهينة الخبر اليقين" لتسويق منتجات شركة جهينة للصناعات الغذائية التي تأسست عام 1983، كشركة مصرية متخصصة في إنتاج ومعالجة وتعبئة مجموعة متنوعة من منتجات الألبان والعصائر وكذلك منتجات الطهي.

وقد تأسست الشركة على يد المهندس صفوان ثابت، ونجحت في احتلال المرتبة الأولى بأسواق الألبان والعصائر في مصر فضلا عن التوسع بأسواق الشرق الأوسط، من خلال بتشغيل 4 مصانع تابعة وشبكة توزيع ضخمة تغطي أكثر من 65 ألف منفذ تجزئة في جميع أنحاء وربوع مصر، فضلاً عن مزرعة الألبان التي تبلغ مساحتها 550 فدان وتبلغ طاقتها الاستيعابية 8 آلاف بقرة.

ورغم ما تمثله هذه الشركة من مساحة استثمارية تحت ظلال الاقتصاد المصري إلا أنها منيت بانتكاسة من خلال وضع المهندس صفوان ثابت رئيس مجلس إدارة الشركة إلى جانب آخرين على قائمة "الشخصيات الإرهابية" في العام 2017م، ومن ثم التحفظ على أمواله بسبب ما قيل عن علاقاته المحتملة بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما نفاه ثابت تماما، موضحا أن صلة قرابته المرشد الراحل للجماعة حسن الهضيبي "لا تعني الانتماء للإخوان". ورفضت المحكمة جميع الطعون التي تقدم بها ثابت لوقف التحفظ على أمواله.

وقد تم القبض على المهندس صفوان ثابت في ديسمبر الماضي ثم لحق ذلك القبض على ابنه السيد سيف ثابت الرئيس التنفيذي ونائب رئيس مجلس إدارة الشركة في فبراير الماضي، ووجَّهت له ذات التهم التي أسندت لوالده، وهي تمويل الإرهاب، ودعمه بالمال جماعة الإخوان المسلمين.

وقد سبق كل ذلك إعلان رئيس البورصة المصرية، في بيان عنه صدر في عام 2015 وقف أكواد رجل الأعمال صفوان ثابت بالبورصة وتجميد حصته وأسهمه في شركة جهينة للصناعات الغذائية.

وقد أدي هذا السلوك العدائي من النظام الانقلابي في مصر إلى انهيار ملحوظ في القيمة السوقية لأسهم شركة جهينة على مدار العامين الماضيين، فقبل خمسة أشهر فقط هوت أسهم الشركة بأكثر من 40% منذ منتصف يناير الماضي، ليتراجع رأسمالها السوقي إلى أقل من 4 مليارات جنيه، مقابل 6.7 مليار جنيه في وقت سابق من هذا العام. وهبطت أسهم الشركة كذلك بنسبة 17% يوم 7 فبراير الماضي، بعد إلقاء القبض على السيد سيف ثابت، ويبلغ سعرها حاليا أقل من ثلث أعلى مستوى لها في 2019.

وتواجه أسهم الشركة هذه الأيام صعوبات متوالية في البورصة المصرية بعد تأخرها في الإفصاح عن نتائج أعمالها لعام 2020. ونقلت البورصة في وقت سابق هذا الأسبوع الشركة إلى القائمة "د" المخصصة للشركات التي من المحتمل شطب أسهمها، لذا لن يكون بمقدور المستثمرين الآن شراء أسهم الشركة على الهامش، ولن تكون الأسهم مقيدة في القائمة المسموح بالتداول عليها في نفس اليوم. وهو ما ينذر بانهيار تام لأسهم شركة وطنية خالصة، وإن كانت الشركة أعلنت أنها تأمل في الإعلان عن نتائجها المالية بحلول منتصف الشهر الجاري.

وقد تناولت وسائل الإعلام هذا الأسبوع دراسة شركة "أيه دي كيو" القابضة الإماراتية للاستحواذ على حصة غير محددة من شركة جهينة للصناعات الغذائية، وفق ما ذكرته بلومبورج نقلا عن مصادر مطلعة لم تسمها.

وسوف تحصل الشركة الإماراتية في حال إتمام الصفقة، على أسهم جهينة بخصم كبير عن سعرها السوقي، أو ما يسمى بتراب الفلوس، وهو ما يعد تأميما لصالح الشركة الإماراتية في ظل سياسة المنافع والمصالح المتبادلة بين عسكر مصر وعرابي الإنقلابات في الإمارات لاسيما وأن الاقتصاد المصري صار مفتوجا على مصراعيه للإماراتيين دون رشد اقتصادي أو اعتبار أخلاقي أو مصالح وطنية، فقد أتمت نفس الشركة الإماراتية مؤخرا العديد من صفقات الاستحواذ، حيث استحوذت في أبريل الماضي على كامل أسهم شركة آمون فارما للصناعات الدوائية في صفقة بقيمة 740 مليون دولار في ظل سيطرة الإمارات على القطاع الصحي المصري، كما وقعت نفس الشركة العام الماضي اتفاقية مع مجموعة اللولو العالمية لضخ استثمارات قيمتها مليار دولار في السوق المصرية. وقدمت شركة "أغذية" الإماراتية التابعة لـ "أيه دي كيو"، في وقت سابق هذا العام عرضا للاستحواذ على حصة قدرها 75% من شركة الإسماعيلية للاستثمار الزراعي والصناعي المالكة للعلامة التجارية الغذائية "أطياب".

إن ما يحدث لشركة جهينة هو بالعامية "موت وخراب ديار" من أجل تصفية حسابات ومصالح شخصية في ظل سياسة اليد العسكرية للاستحواذ سواء من خلال مؤسساتها أو المتحالفين معها داخليا وخارجيا، وكل هذا رسالة واضحة أن رجال الأعمال الشرفاء لا مكان لهم في ميدان الاقتصاد المصري وأن لسان الحال يردد العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة، ولعل ما بثته زوجة المهندس صفوان ثابت منذ أيام علي مواقع التواصل الاجتماعي عن حالة زوجها وابنها وتعجبها واستغاثتها يكشف إلى أين المسير في مصر؟! ولعل الأيام القديمة تكشف كذلك أن عند جهينة الخبر اليقين فما خفي أعظم!!