بقلم: مبارك الدويلة

بعد سقوط الخلافة الإسلامية على يد أتاتورك عام 1924م، وبعد تقسيم الأمة العربية إلى دويلات مستعمرة من دول أوروبا في مؤتمر "سايكس بيكو" عام 1916م، الذي تلاه "وعد بلفور" المشؤوم 1917م، قامت دعوة الإخوان المسلمين في عام 1928م، على يد الإمام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله، ونتج عن هذه الدعوة صحوة إسلامية ضربت كل بقاع الأرض في السبعينيات من القرن الماضي، وأعادت الروح من جديد إلى شعوب العالم الإسلامي، وتم إحياء العبادة على نطاق واسع في المساجد التي امتلأت بالشباب، بعد أن كانت مقفرة إلا من العجائز، وشاهدنا العباءة والحجاب تتزين بهما النساء بعد أن كاد الحياء أن ينحسر من بيوت الكثير من المسلمين وبناتهم! وظهرت رموز وقدوات إسلامية، بعد أن كان القوميون والشعوبيون ودعاة الانحلال والإلحاد هم الأكثر بروزاً في تلك الحقبة!

انتبه الغرب والمتصهينون العرب إلى هذا التحول، ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم والتيار الإسلامي والإسلاميون تحت المجهر وفي دائرة التشويه والتشكيك، ورغم زيادة جرعة التغريب المتعمّد للثقافة والشعوب الإسلامية، فإن الرغبة بالعودة إلى الجذور الإسلامية ومنهج النبوة كان حاضراً مع كل حدث سياسي، فكان هذا واضحاً في ثورة عبدالقادر الحسيني، وعمر المختار، ثم جاءت حرب تحرير أفغانستان من الغزو الروسي، التي رسخت الصبغة الإسلامية الجهادية لحرب التحرير، ورغم العواصف التي عصفت بالصحوة فإنها ثبتت ولم تتزعزع أركانها!

بعد ذلك استمرت آلة الحرب والقمع على أذرع الصحوة إلى أن بلغت ذروتها في مطلع العقد الثاني من هذا القرن، فثارت الشعوب بعد أن وصل القمع مداه، وأسقطت هذه الهياكل التي من طول بقائها كادت أن تُعبَد، فكان "الربيع العربي" كالإنذار لأجهزة الاستخبارات الدولية من أن المارد الإسلامي قادم من جديد رغم كل مخططاتهم لتغريب الأجيال، فجاؤوا بالثورات المضادة وأُعيد حكم العسكر في بعض الأقطار، ثم كان الفصل الأخير من المواجهة وهو «شيطنة التيار الإسلامي الوسطي»! فتم القبض على الدعاة والمصلحين، وتم الزج بآلاف الشباب المسلم المنتمي في السجون، وتمت المحاكمات الصورية والأحكام المعلبة، وأُعدمت القيادات وأصبح الانتماء للإسلام جريمة، وممارسة السياسة تحت الشعار الإسلامي منكراً، حتى أُزيلت كلمة الجهاد من القاموس اليومي تمهيداً للتطبيع الذي أرادوا فرضه سريعاً خوفاً من عودة المارد مرة أخرى، ولكنهم نسوا شيئاً مهماً هم لا يفقهونه؛ (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ) (الأنفال: 30)، فجاءت أحداث الشيخ جراح الأخيرة ومحاولة الصهاينة تدنيس بيت المقدس، فثار المارد في نفوس المسلمين، وجمع الله الأمة من جديد تحت شعار الإسلام، فوجه رئيس الأركان الباكستاني رسالة إلى تركيا وماليزيا للتدخل لحماية الفلسطينيين من بطش الصهاينة، وانطلقت مئات الصواريخ من غزة لتدك الكبرياء الصهيوني وتكشف زيف قوتهم، وتؤكد حقيقة صمود الشعب الذي يرفع شعار السيفين والمصحف، وتتحرك الأمم المتحدة للشجب، وتبدأ دول العالم بمطالبة الصهاينة بوقف الاعتداءات، وتضطر دول التطبيع السريع إلى الاستنكار على الصهاينة جريمتهم، وينتهي المشهد بحث الصهاينة لبعض العرب على التدخل والتوسط عند "حماس" لوقف الحرب!

كل ذلك حدث والسلطة الفلسطينية صامتة صمت القبور وكأن الأمر لا يعنيها، بينما التيار الإسلامي الذي يحكم غزة هو الذي أدار المعركة، ونجح في وقف التعديات الصهيونية على الأحياء السكنية في القدس! (كلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) (المائدة: 64)!

أحداث فلسطين الأخيرة أثبتت أن التيار الإسلامي تيار مبدأ، وأنه هو أمل الأمة في عودة كرامتها وعزتها؛ و(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء: 139) صدق الله العظيم.


نقلا عن "المجتمع"