بقلم: د. رشاد لاشين
كما أمر الله تعالى الرجل بالحرص على الأسرة ورعايتها وحمايتها (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) وجب عليهم كذلك
أن يحموه هو أيضاً من النار وألا يكونوا أعداءً له.

لذا حذر الله تعالى الرجل من أن تكون الزوجة أو الولد عدواً له، يوردونه المهالك بشغله عن الخير والأخذ به إلى المعاصي وصده عن الحق والقيام بالواجب فيجلبون له غضب الرب ويكونون سبباً في خسارة الدنيا والآخرة ؛ والعداوة هنا عداوة الخير والحق والدين والعمل الصالح وذكر الله تعالى وصلة الأرحام.

ما هي أوجه العداوة التي يمكن أن تمثلها بعض الزوجات أوبعض الأولاد للزوج أو الأب :

التحذير الإلهي الوارد في قول الله تعالى في سورة التغابن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) التغابن : 14 يدفعنا أن نتيقظ ونتعرف على الأسباب المؤدية حدوث العداوة التي قد تنجم من بعض الممارسات من الزوجات أوالأولاد كالآتي:

1- أن يكونوا سبباً في الانشغال والالتهاء عن العمل الصالح وعن ذكر الله :

 الاهتمام الزائد عن الحد بالزوجة أو بالأولاد قد يشغل الرجل عن عبادته أوالقيام بواجباته ؛ قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) المنافقون: ولهذا قال ها هنا: (فاحذروهم ) قال ابن زيد : يعني على دينكم

2- أن يكونوا سبباً في الوقوع في المعاصي أوالحض عليها أو قطيعة الرحم :

قد يدفع حب الرجل لزوجته و أولاده إلى الحرص على جمع المال لإرضاء رغباتهم فيجعل البعض لا يتحرى الحلال فى الكسب و قياسا على ذلك كل الأمور التى تتعارض فيها رغباتهم مع الشرع فتكون العداوة فى الآخرة لأنهم جعلوه يرتكب المعاصى فى الدنيا لإرضائهم.

بعض الزوجات أو بعض الأولاد يسير في طريق المعاصي والشهوات وقد يغري الزوج أو الأب أو يدفعه للسير في نفس الطريق ؛ والرجل ضعيف الإيمان قد يضعف أمام عاطفته وارتباطه بهم فيقع في غضب الله ويكونون بذلك عدواً له ؛ قال مجاهد : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ) قال : يحمل الرجل على قطيعة الرحم أو معصية ربه …).

3– أن يكونوا سبباً في التخلف عن الجهاد أو اللحاق بركب المؤمنين وصحبة الصالحين:

التعلق الشديد بالزوجة والأولاد والخوف من مشقة الفراق ؛ قد يثبط همة الرجل ويقعده ويجعله من المتخلفين عن ركب الإيمان ؛ورد عن عكرمة ، أن رجلاً سأل  ابن عباس عن هذه الآية: ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) – قال : فهؤلاء رجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم ، فلما أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأوا الناس قد فقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ، فأنزل الله هذه الآية: ( وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ).

ورد في الجلالين : «وإن تعفوا» عنهم في تثبيطهم إياكم عن ذلك الخير معتلين بمشقة فراقكم عليهم.

4 – أن يكونوا سبباً في التخلي عن الوقوف مع الحق :

الوقوف مع الحق له عواقب كثيرة قد تضر بالزوجة والأولاد فيدفعون الرجل للجبن والشح والبخل، ايثاراً لأمنهم وسلامتهم، وحرصاً على مصالحهم؛ يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله في الظلال : (كما أنهم قد يكونون دافعا للتقصير في تبعات الإيمان اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم لو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل الله! والمجاهد في سبيل الله يتعرض لخسارة الكثير، وتضحية الكثير. كما يتعرض هو وأهله للعنت. وقد يحتمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجه وولده. فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال! فيكونون عدوا له، لأنهم صدوه عن الخير، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا. كما أنهم قد يقفون له في الطريق يمنعونه من النهوض بواجبه، اتقاء لما يصيبهم من جرائه، أو لأنهم قد يكونون في طريق غير طريقه، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد لله.. ) في ظلال القرآن ص (3590 ) .

لذا وجب الحذر واليقظة والتوازن والحرص على إعطاء كل ذي حق حقه كما أمر الله تعالى والاستثمار الصحيح للعاطفة والحب والروابط الأسرية، بما لا يعطل القيام بالطاعات والواجبات ولا يوقع في المعاصي والمخالفات فيظلوا أحباب بالتعاون على البر والتقوى بدل أن يصبحوا أعداء بالصد عن الخير والوقوع في الشر؛ سائلاً الله تعالى التوفيق للأزواج والزوجات والآباء والأبناء  بعلاقة طيبة لحمل رسالة الله ودوام الارتباط في الدنيا بالعمل الصالح وفي الآخرة في جنات الفردوس ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) الطور: 21 .