قال رشيد خالدي، أستاذ الدراسات العربية في جامعة كولومبيا الأمريكية، ومؤلف كتاب "حرب المائة عام على فلسطين" إن ما نراه اليوم في فلسطين هو الفصل الأخير من تشريد الفلسطينيين.

وجاء في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست": لم تكن مصادفة أن تندلع الحادثة الأخيرة في حرب المائة عام أو يزيد على فلسطين على موضوع القدس واللاجئين. وكلاهما متداخلان في تشريد وطرد الشعب الفلسطيني. ففي الأسابيع الماضية كانت تحركات الاحتلال في المسجد الأقصى وحوله وعملية الطرد القسرية للفلسطينيين في حي الشيخ جراح مدعاة لإشعال مواجهة جديدة غير متساوقة من العنف، يمكن تخليصها في التباين بين 10-1 من الضحايا. وكلا الموضوعين (القدس واللاجئين) يسيران جنبا إلى جنب مع هذه المقاومة التي تجري من جانب واحد ضد التشريد، وكلا الموضوعين عمل صناع السياسة الأمريكيين الذين كلفوا بوضع حد للنزاع على سحبهما تحت البساط.

وعلق خالدي بأن ما يحدث ليست أحداث "شغب" ولا "نزاع عقاري" كما يتم تكراره في تصريحات قيادات الاحتلال التي لا تنتهي.

وأضاف أن سياق الأحداث في القدس وغزة والمناطق الأخرى في فلسطين والكيان توضحه وتلخصه كلمات نائب رئيس بلدية القدس أرييه كينج، الذي قال إن عمليات الطرد في الشيخ جراح هي بالطبع جزء من خطة وضع "طبقات من اليهود" في كل أنحاء الجزء الشرقي من المدينة و"تأمين مستقبل القدس كعاصمة يهودية لكل الشعب اليهودي.

ويرى الكاتب أن عملية التهويد قائمة على منطق المستوطن الاستعماري الذي يعمل في كل عمليات المصادرة للبيوت والأراضي وتشريد ملاكها الفلسطينيين منذ عام 1948 و1967 وفي القدس الشرقية والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. وكان هذا المنطق وراء المسيرات التي يقوم بها القوميون الدينيون اليهود المسلحون في الأحياء العربية بالقدس وتحت حراسة قوات الأمن والهجوم واستفزاز السكان فيها. وكان المنطق وراء محاولة قوات الاحتلال منع الفلسطينيين من الاستمتاع بليالي رمضان في بوابة دمشق، التي تعتبر واحدة من بوابات قليلة لا تزال مفتوحة قرب المسجد الأقصى.

وهو المنطق وراء هجوم الجنود على المصلين في المسجد الأقصى ليلة بعد أخرى في الليالي العشر الأخيرة من رمضان، بما في ذلك إطلاق القنابل الصوتية وقنابل الغاز المسيلة للدموع داخل المسجد الذي يعتبر ثالث المساجد المقدسة للمسلمين في العالم.

وتساءل الكاتب عن ردة فعل العالم لو حدث هجوم مماثل على كنيسة كبيرة أو معبد يهودي أثناء عطلة دينية؟ قائلا إن "ما يجري تطبيقه هنا هو منطق قانون 2108 الذي رفع مبادئ الصهيونية السياسية الأساسية إلى مستوى المبدأ الدستوري وأن الشعب اليهودي له الحق في تقرير مصيره في أرض إسرائيل".

ويضيف خالدي أن الاحتلال يقوم منذ 1967 بتوسيع سياسته على فلسطين الانتدابية ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط في عملية زاحفة لا ترحم من الضم. واعتبر قانون 2018 “المستوطنات اليهودية قيمة وطنية” مما يعني أن الشعب الفلسطيني لا حقوق وطنية له في أرض أجداده، وأن تشريده وطرده هو جهد "إسرائيلي" ضروي.

ويقول الكاتب إن المنطق التمييزي يوضح السبب الذي وضع فيه الاحتلال جهاز القمع تحت تصرف المتطرفين الدينيين وهم يقومون بطرد الفلسطينيين من بيوتهم بزعم أن الأملاك التي يعيشون فيها في الشيخ جراح هي ملكية يهودية. ويحرم القانون الذين هجروا من بيوتهم في حيفا ويافا والقدس الغربية من المطالبة بحقوقهم التي أخذت منهم في 1948.

وقال خالدي إن الأزمة تثبت بطلان أسطورة مهمة، وهي أن الفلسطينيين منقسمون ويائسون ومحبطون وعليهم الرضوخ لأي شيء تفرضه "إسرائيل "عليهم. وربما كان الفلسطينيون منقسمين من الناحية السياسة، ولكنهم سواء عاشوا في القدس، الضفة الغربية، غزة أو الشتات، فهم يواجهون نفس عملية التشريد الحديدية والتمييز المقنن المتأصل في مشروع إنشاء الدولة التي كانت غالبيتها من اليهود وستصبح قريبا ذات غالبية عربية.

ومن هنا فوحدتهم في مقاومة التشريد بزرت من الاحتجاجات سواء في القدس أو اللد والرملة وعكا وحيفا وقطاع غزة. ويقول خالدي: "طالما ظلت الولايات المتحدة تتجاهل المبدأ الأساسي في المساواة المطلقة في فلسطين/ إسرائيل -وهي مساواة لم تدع إليها أبدا- فستظل جزءا من المشكلة لا الحل. ويعلق الخالدي أن ممثلي الاحتلال يتحدثون عن حقهم في الدفاع عن أنفسهم، ولكن ماذا عن حق الفلسطينيين بمقاومة 73 عاما من تشريدهم؟