عندما يكون الصمت مقابل الرافال

من المعلوم أن صفقات السلاح التي عقدها النظام الانقلابي خلال السنوات السبع الماضية لم يكن  الهدف منها أبداً تنوع مصادر السلاح كما يزعم  الإعلام الانقلابي الفاجر ، ولكن القصد منها بالأساس هو شراء صمت الدول الغربية المصنعة للسلاح لغض الطرف عن جرائم النظام وانتهاكات حقوق الإنسان، والتي وصلت باعتراف منظمات حقوقية دولية  إلى حد "جرائم ضد الإنسانية".

في البداية كان الهاجس لدى قائد الانقلاب هو الحصول على الشرعية بعد الانقلاب العسكري المشئوم  على الرئيس المنتخب "محمد مرسي " رحمه الله تعالى؛ لذلك كان  حريصاً  على إبرام عدد من الصفقات المشبوهة لتأمين الشرعية المفقودة، بالرغم من تضخم الديون وانهيار الاقتصاد المصري .

فيمم النظام وجهه شطر أوروبا وأمريكا وروسيا ، فعقد  صفقات أسلحة "بايرة" (ومعنى بايرة لمن لا يعرف معناها أنها متروكة في المخازن ولا يريد أحد شراءها) مع كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا وروسيا وأمريكا  لتكديسها أو الاستعراض بها في المناسبات المختلفة .

ولم تظهرطائرات الرافال منذ شرائها إلا في مناسبتين : الأولى في سماء حفل افتتاح تفريعة قناة السويس في 6 أغسطس 2015 .

والمناسبة الثانية عندما رافقت ثلاث مقاتلات رافال طائرة قائد الانقلاب حتى أدخلوها المجال الجوي الفرنسي أثناء توجهه إلى باريس وكأنها  "زفة بلدى"!! .

 فالغرب يعي جيداً أن النظام الانقلابي نظام "مسجل خطر"؛ لذلك  يسعى لاستغلاله وابتزازه لشراء كميات هائلة من الأسلحة وتكديسها مقابل الصمت عن ممارساته الإجرامية .

وتعتبر مصر من أكبر الدول المستوردة للأسلحة من فرنسا ، حيث بلغ مجموع الواردات المصرية من الأسلحة الفرنسية  قرابة ال11مليار يورو  مابين عامي 2014 و2021 ، وهو ما جعل مصر رابع دولة من حيث شراء الأسلحة الفرنسية "البايرة"، ومن ضمنها أسلحة وذخائر ومعدات تستخدم في فض المظاهرات والقتل خارج إطار القانون ، وهو مأدانته المنظمات الحقوقية الفرنسية ذاتها .

كما أن الصفقات التي  أبرمها النظام الانقلابي بمليارات الدولارات .. وضعت مصر في المرتبة الثالثة عالميا ضمن أكبر مستوردي السلاح في العالم، خلال الفترة ما بين عامي 2014 و2018 ، بحسب "معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام".

لذلك أعلن ماكرون بصراحة بل بكل وقاحة : "لن أجعل هذه الخلافات شرطا للتعاون في المجال الدفاعي، كما في المجال الاقتصادي، ولن أجعل بيع الأسلحة لمصر مشروطا بحقوق الإنسان ولا إضعاف قدرة القاهرة على مكافحة الإرهاب في المنطقة" .

وللأسف فما زال عقد الصفقات المشبوهة مستمرا ولم يتوقف، فقبل يومين تم الإعلان عن صفقة رافال جديدة تقدر بحوالى 4,5 مليار دولار ، هذه الصفقة التى تأخرت كثيراً  حتى ظن البعض بأن الصفقة تأخرت  بسبب حقوق الإنسان" لاسمح الله"، ولكن وكالة "رويترز" قالت: إنما جاء التأخير بسبب تخوف فرنسا من عدم قدرة مصر على سداد ديونها طويلة الأجل .

أما موقع "ديسكلوز" فقد ذكر : "أن الدولة الفرنسية ومعها بنوك "بي.إن.بي باريبا" و"كريدي أجريكول" و"سوسيتيه جنرال" و"سي.آي.سي "ستضمن ما يصل إلى 85 ٪ من تمويل الصفقة . وذلك بالرغم من أن  النظام  الانقلابي واجه مشكلة في صفقة رافال الأولي، حيث رفضت الولايات المتحدة الأمريكية بيع صواريخ طائرات رافال لمصر . إلا أنه في ظل صعود المعتوه ترامب (الذى اعتبر قائد الانقلاب دكتاتوره المفضل) قد سمح ببيع مكونات أمريكية الصنع لتطوير قدرات صواريخ "كروز سكالب" المثبتة على مقاتلات الرافال الفرنسية .

ولاشك أن صفقة رافال "البايرة" الأخيرة قد أنعشت الأوضاع الاقتصادية في فرنسا _ بل أكاد أجزم أن هذا هو الهدف الأول من الصفقة _ في ظل المقاطعة المعلنة  للبضائع والمنتجات الفرنسية لتطاول ماكرون على مقام النبي صلى الله عليه وسلم  والإساءة المتكررة للإسلام والمسلمين ، ووصمهم بتهمة الإرهاب ، وفي ظل تردي الأوضاع الاقتصادية بسبب جائحة كورونا .فقد قالت  وزيرة الجيوش الفرنسية" فلورنس بارلي : "إن صفقة بيع 30 طائرة رافال لـ مصر ستساعد في الحفاظ على 7 آلاف فرصة عمل فى فرنسا على مدى 3 سنوات ".

وكما يقولون : (وشهد شاهد من أهلها) .

فقد قال المفكر الفرنسي آلان جريش :

" إن سر دعم فرنسا للسيسي هو أن المثقفين فيها يخشون الإسلام ، بالإضافة لصفقة طائرات الرافال الفرنسية

التي لم تستطع بيعها لأحد ! "

 وإذا كان النظام الانقلابي يظن أن شراء الأسلحة" البايرة" وتكديسها سيجعل الغرب يغض الطرف عن ممارساته الإجرامية بحق الشعب .. فإنه واهم ، والتاريخ يشهد بأن من أهم أسباب تصاعد الغضب الشعبي ضد شاه إيران قبل انفجاره بشكل مفاجئ هو قيامه بشراء وتكديس أحدث الأسلحة الغربية لكسب ولاء الجيش دون حاجة فعلية لاستخدامها، على حساب تدهور الأوضاع الاجتماعية والمعيشية للطبقات الدنيا والوسطى .

كما أن هذه الصفقات تزيد من كارثة  تضاعف القروض وإهدار المال العام ووضع عراقيل أمام الأجيال القادمة التي سوف تتحمل تبعة سداد هذه القروض .

  كذلك فإن هذه الصفقات ليس لها فائدة سوى استمرار النظام  الانقلابي في السلطة ، و حصول الجنرالات الفاسدين عبر صفقات السلاح المشبوهة على عمولات تذهب إلى حساباتهم الخاصة .

ولك الله يا مصر .