ساعات ويحل علينا شهر رمضان ببركاته كيف لا وهو شهر القرآن، شهر الغفران، شهر يعتق فيه الله جل جلاله رقابا كثيرة من عباده من النار في كل ليلة، يقول صلى الله عليه وسلم: “إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة”، كيف لا وهو الشهر الكريم، تكريما وكرما من الكريم؛ فيأمر بغلق أبواب النار وفتح أبواب الجنة وتكبّل الشياطين كما رُوي عن سيد المرسلين وهو يقول: "إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ”، كيف لا وهو الشهر الذي أخصه الله جل جلاله بالجزاء عن صيامه دون سائر الأعمال في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ له إلَّا الصِّيامُ، فإنَّه لي وأنا أجْزِي به".

هذا بعض يسير مما جاء في شهر رمضان من الأهمية والفضل، والسؤال هنا أين نحن من هذا الفضل ؟ وأين نحن من هذا الشهر؟ وماذا أعددنا له؟ اعتمدت عنوان المقال للنساء لعلمي ولاعتقادي الراسخ بأهمية المرأة ودورها الريادي في الأسرة والمجتمع ؛فهي بدون مبالغة صاحبة اليد العليا في كل شئون الحياة، وهذا لا يتعارض أبدا مع دور الرجل في الأسرة والمجتمع؛ فالأمر يحتاج منا جميعا رجالا ونساء للفهم فقط، مستندين في ذلك على كتاب الله وسنة نبيه دون تنطّع وليّ للنصوص، وفي المقابل دون هجر لها وتمييع؛ فلا لهؤلآء ولا لهؤلآء بل كما قال الله سبحانه: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً” 2:.143 كان شهر رمضان لأمهات المؤمنين شهر القرآن فرُوي أنهن كن يختمنه أكثر من مرة مع المواظبة على صلاة النوافل خاصة بالليل والدعوة وقلة الإهتمام بتحضير الطعام حتى يتفرغن للعبادة. كانوا يخرجون زكاة أموالهم في شهر شعبان حتى تكون عونا للفقراء والمحتاجين في شهر رمضان كما كان كثير منهم ينكبّون على القرآن في شعبان تحضيراً لشهر رمضان.

عادة ما تقضي المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية جل وقتها، بل يومها، في تحضير الطعام تُمضي الساعة تلو الأخرى وهي معتكفةً في المطبخ، إما لأنها تريد تنوع الطعام وأن تكون المائدة مملوءة بألذ وأطيب أنواع الطعام، وإذا لم تكن كذلك فهي تلبي رغبة الزوج وأفراد الأسرة إن كان لها أولاد في الإستمتاع بالمائدة التي تحتوي على كثير من أنواع الأطعمة الشهية فمنّا من لا يرضى إلا بالكثير، وحين تعد له الزوجة صنفا واحدا أو صنفين من الطعام قد يرفع البيت على رأس الزوجة ولا يقعده أبدا؛ فيشتاط غضبا حين يرى أن مائدة الإفطار تتكون من نوعين فقط (شربة ونوع ثان) فمنّا من لا يكاد يرى ذلك حتى يبدأ في الصياح بأعلى صوته منتقدا زوجته متهما إيّاها بالتقصير وعدم الإهتمام وتضييع الوقت، وكأن الصيام عنده هو أكل وشراب وإشباع رغبات وشهوات!!! وفي كثير من الأحيان يشترك الزوج والزوجة، وكذلك الأطفال في حبهم ورغباتهم الشديدة في رؤية مائدة الإفطار وهي تتزين بخمس أو ست أنواع من الطعام بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الحلويات فهكذا هو الصيام عند كثير منّا، بل يصل الغلو في الأكل إلى حد أن هناك بعض الأكلات والحلويات لا تعدّ ولا تقدّم إلا في رمضان فهي مخصصة لشهر القرآن، فأين القرآن!!!؟؟.

أمّا عن ليلنا في شهر رمضان فلا تسأل، فالمحلات التجارية بمختلف أنواعها من محال الخضار والفواكه إلى الملابس عوضا عن مراعاة الأسعار، بل وتخفيضها مساعدة للمحتاجين وللناس أجمعين طلبا في أجر هذا الشهر المبارك وثوابه تجد أن الأسعار تتضاعف وأكثر من ذلك؛ ليعاني المواطن من غلاء الأسعار حتى يصل بكثير من الناس إلى عدم القدرة على شراء المتطلبات الأساسية، فأصبح شهر رمضان شهر الكسب المضاعف عند التجّار.

إن شهر رمضان أصبح غنيمة مادية تعد لها العدّة بفترة ليست بالقصيرة؛ فلا تعدُّ العدة عندنا لشهر رمضان بصيام أيام من شهر شعبان أو تلاوة للقرآن ترويضا للنفس واستعدادا لرمضان بل عدّتنا تعدّ بشراء متطلبات المطبخ الخاصة في رمضان؛ فيستنهض التجار قواهم بتوفير جميع أنواع السلع التي يكثر الطلب عليها في رمضان، وبتوفير الملابس للعيد حيث تفتح أبواب المتاجر لساعات متأخرة من الليل خاصة في العشر الأواخر من رمضان فتُشغل المسلمين عن القيام وقراءة القرآن في العشر التي فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، في العشر التي هي نهاية الشهر فمثلها كمثل المتسابق الذي اقترب من خط نهاية السباق فعليه أن يسرع في الجري بأقصى ما يمكن حتى يفوز، وهكذا يجب أن يكون حال المسلم في العشر الأواخر من رمضان أن يستنفر قواه في القيام والاجتهاد في التقرب لله بأي وسيلة لا أن يستنفر قواه في الأسواق!!!.

يا صاحبة البيت إن قدرتك على تغيير كثير من العادات السيئة التي صارت مألوفة عندنا، حتى أصبحت عرفا من أعرافنا في شهر رمضان (مالت به عن الأهداف السامية التي شرعها الله وسنّه رسوله وصحابته) قدرة ليس لها حدود فأنا أومن بقدرة المرأة على تغيير المجتمع إلى الأفضل وبريادتها إن أرادت ذلك، فالمسئولية على عاتقك سهلة إن أردتها أن تكون سهلة وصعبة إن أردتها صعبة؛ فثقي بالنفس وبالقدرة على التغيير على الأفضل وكوني معول بناء للأسرة والمجتمع وللأمة، ولا تكوني إمعة تُساق، وسلعة تباع، كما يُراد لك أن تكوني معول هدم لأسرتك ووطنك فحذار من اتباع خطوات شياطين الإنس قبل الجن وكوني حرّة؛ فالعبودية لله وحده.

إن الصيام عملية روحية، تتأدب فيها النفس، وترقى، وتسمو باستقامتها واطمئنانها، وبحسن علاقتها بربها ؛ فيزداد الصائم تأدبا مع ربه؛ فينعكس ذلك بحسن علاقته بالناس، ويشمل ذلك احترام الآخرين وتقديرهم ومساعدتهم والذهاب في قضاء حاجياتهم، والعطف على المحتاجين، كما ينعكس في أدائه وإتقانه لعمله فهو يبتغي بذلك رضا ربه، فهكذا هو الصيام يرفع من شأن صاحبه إذا ما فهم الهدف من صيامه كما يحاول الصائم أن يغير من طبائعه القاسية كأن يكون متسامحا مع غيره لا يقف طويلا عند من يظلمه أو يسئ إليه، ويتذكر أن القوة في الصفح والعفو لا في الانتقام والتشفّي، فكوني في مقدمة التغيير وأرفعي لوائه في بيتك وعلّمي من في البيت أن رمضان قرآن ورحمة وشعور بشعور المحتاجين ومساعدتهم وتسامح وقربة إلى الله، ولا تجعلي همك في الأكل والشرب؛ فأنت أكبر من ذلك، واجعلي دائرة الخير تتسع بالتعاون مع الأخريات.

نورى الرزيقى