رحم الله الدكتور جمال حمدان رحمة واسعة عندما قال في كتابه الممتع   (شخصية مصر الجزء الرابع .. دراسة في عبقرية المكان) :
"كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب، ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم، وفي ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب كثيراً ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسي، وأخطار الحكم الداخلية بالحل العسكري، أي كان يمارس الحل السياسي مع الأعداء والغزاة في الخارج ، والحل العسكري مع الشعب بالداخل ، 
فكانت دولة الطغيان كالقاعدة العامة : استسلامية أمام الغزاة  بوليسية على الشعب" انتهى .
إذن؛ فالأصل في الجيوش أنها وجدت لحماية الحدود، والدفاع عن الأوطان ضد أى عدوان خارجي، وتتكفل بحفظ الثغور وحمايتها وصيانتها من أي اختراق، أو أي محاولة تهديد لأمنها من كل القوى المتربصة بها .
لذا وجب تدريب أفراد الجيش، وتسليحهم بأحدث الأسلحة؛ حتى يكونوا على مستوى الجاهزية المطلوبة إذا تطلب الأمر ذلك . 
فمَهَمّة الجيش حددها دستور كل دولة، فليس للجيش أي مهام سياسية، أو أي تدخل في إدارة شئون البلاد .
 وليس من مهام الجيوس حفظ الأمن الداخلي؛ لأن هذا من اختصاص وزارة الداخلية والجهات الشرطية المختصة . 
كما أن الجيش لا يتدخل في أمور التشريع والقضاء؛ لأن القضاء من اختصاص السلطة القضائية بفروعها ودرجاتها المختلفة .
والتشريع من اختصاص البرلمان المنتخب والمعبر عن الإرادة الشعبية التي جاءت به من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة .
لكن في بلادنا المنكوبة بحكم العسكر والحكم الوراثي الاستبدادي يتدخل الجيش في السياسة وفى إدارة كل شئون الدولة، ويضرب بالدستور والقوانين عُرض الحائط وإذا لزم الأمر .. بين الحين والآخر .. يتم تعديل الدستور حسب هوى ومزاجية الحاكم العسكرى الذى انقض على السلطة تحت جنح الظلام بانقلاب عسكري بزعم تصحيح الأوضاع الخاطئة وحمايتها من الأخطار المحدقة بها وأنه جاء هو ورفاقه لإنقاذ البلاد . وأنه سيبقى فترة مؤقتة  ثم يترك الأمر للشعب يختار من يحكمه !!
وفى ذلك يقول الدكتور جمال حمدان رحمه الله : "من المحزن أو المضحك أن كثيرا من أصحاب وصانعي الانقلابات العسكرية الطفيلية في مصر يصر إصراراً واستكباراً (أو غفلة واستهتارا) على أن ينعتها بالثورة ( الثورة شعبية .. وإلا فلا ) فكل انقلاب عند أصحابه هو ثورة".
ولكن الذى يحدث على أرض الواقع أن الحكام الجدد من العسكر لايتركون السلطة إلا بانقلاب على الانقلاب، أو من خلال ثورة شعبية تقتلع النظام من جذوره لكن في هذه الحالة  يحتال العسكر بزعم انحيازهم لمطالب الشعب  وأنهم قاموا بحماية ثورة الشعب وسرعان ما يلتفون على الثورة ويتولون مقاليد الأمور لفترة انتقالية تمتد لعقود _ وبعدها يكون أسمى مطالب الثوار محاكمة قتلة الثوار  الذين هم العسكر أنفسهم - ثم يسيطرون على مقاليد الأمور ويستأثرون بالسلطة باستخدام العنف والقهر، وتدخل البلاد في دوامة العنف، والقهر، والفقر، والبطالة وتدني مستوى المعيشة والانهيار الاقتصادي .
فيحكمون بالحديد والنار، بالدبابة والبيادة .
وتستمر الطغمة الحاكمة في إذلال الشعب من خلال القوة الغاشمة والإعلام المأجور الفاشل الذى لاعمل له إلا تمجيد الطاغية واستدعاء نظرية المؤامرة  الكونية التي تتربص بالبلاد والعباد  ضد كل من يفكر في المعارضة السلمية بالتظاهر السلمي أو حتى المعارضة على "السوشيال ميديا" .
فتغلق الصحف، ويسجن الصحفيون والمعارضون بتهم ملفقة معلبة وجاهزة، مثل الانضمام لجماعة محظورة وتكدير السلم الاجتماعي .. إلخ .
ويستشري الفساد في مفاصل الدولة، ويتولى الفاسدون والمرتزقة والمنتفعون من أبناء النظام حماية الدولة من الفساد !!! وهى حالة متكررة في كل بلادنا المنكوبة بحكم العسكر والحكم الوراثي الاستبدادي . 
وغالبا مايبحث النظام العسكري عن مظلة دولية أو إقليمية لتقوم بحمايته من الشعب، وتقوم القوى الدولية بابتزاز الأنظمة الاستبدادية عبر وسائل عديدة، منها التهديد بالتخلي عن حمايته تارة ، والتلويح بورقة حقوق الإنسان تارة أخرى، أو حتى تهديده بالانقلاب عليه إذا لم يذعن لمطالبها . والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى!!
وعندما قال الحاكم المدني المنتخب محمد مرسي رحمه الله تعالى (أننا إذا أردنا أن نمتلك إرادتنا فعلينا أن ننتج غذاءنا ودواءنا وسلاحنا _لأن تلك العناصر الثلاثة هي ضمان الاستقرار والتنمية وامتلاك الإرادة _ وجدنا نظام العسكر الذليل التابع يصف العلاقة مع الولايات المتحدة بأنها حيوية، و"أنها تشبه علاقة الزواج وليست مجرد نزوة عابرة !! 
هذه ليست مجرد علاقة لليلة واحدة، هذا أمر سيكلف الكثير من المال في حال الاستثمار فيه ، كما سيتطلب الكثير من الوقت والكثير من القرارات ، وأنا أظن أن هذه العلاقة تقوم على أسس قوية ، ولكن في كل علاقة زواج هناك مشاكل تحصل."
فحكم العسكر لايفهم أن قوة الدولة ليست في استبدادها،  ولا فى عدد أجهزتها القمعية، ولا فى عدد سجونها ومعتقلاتها، ولا في إرهابها لشعبها ونشر الفرقة بين أبناء الشعب .
ولكن قوة الدولة في الحقيقة تكمن بالأساس في ضمان حرية مواطنيها وكرامتهم، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية، ومستوى المعيشة والرفاه، وفى شرعية مؤسساتها واستقلاليتها، وفي قوة نظامها الصحي والتعليمي، وقوة اقتصادها ووفرة ناتجها القومي .
فلك الله يا مصر ، أنت وكل دولنا المنكوبة بحكم العسكر .