بقلم: د. رشاد لاشين

التخطيط لأطفال الأمة وأجيالها القادمة يبدأ بزواج الشباب؛ والسن التي يتزوج فيها الشاب أو الفتاة ينعكس سلبًا أو إيجابًا على الطفل القادم من عدة زوايا: فلا يعني وصول الفرد إلى مرحلة البلوغ أن يكون صالحًا للزواج، فليست العبرة بالنضج الجسماني فحسب، وإنما الأهم من ذلك النضج النفسي والتربوي والاجتماعي، الذي بدونه لا يكون الفرد صالحًا لدخول عالم الحياة الزوجية ثم عالم الأبوَّة والأمومة؛ كذلك تأخير سن الزواج فيه ما فيه من الأضرارِ لكلٍّ من الزوجين أولاً ثم للأبناء ثانيًا، والذين قد يلحقهم الضرر في حياة الوالدين أو بعد مماتهم كما سنرى.

1- من الناحية الطبية :

إذا نظرنا إلى الخُصوبة والإنجاب من الناحية الطبية يتبين لنا الآتي:

أ- المرأة

- منحنى الخصوبة عند المرأة في تناقص مستمر:

يتم تكوين جميع بويضات الأنثى وهي في المرحلة الجنينية وتُولد كل أنثى بعدد ثابت من البويضات، وهذا العدد غير قابل للزيادة على عكس الحيوانات المنوية عند الرجل، بل تتعرض هذه البويضات إلى التناقص التدريجي المستمر مع تقدم السن، حتى تنتهي هذه البويضات تمامًا عند سن اليأس؛ لذلك فإن فُرَص الحمل في تناقصٍ مستمر، والناظر إلى منحنى الخصوبة عند المرأة يجده يبدأ في الصعود عند سن 18 سنة ويصل ذروته في سنّ 30 سنة، ثم يبدأ المنحنى في النزول حتى الوصول إلى سن اليأس (حوالي 45 سنة في المتوسط)؛ حيث تنعدم فرص الإنجاب.

- بويضات المرأة تتعرض للشيخوخة المطردة مما يعرض نسلَها للأمراض:

لمَّا كانت البويضات غير متجددة وموجودة لدى المرأة منذ ولادتها؛ لذلك فهي في عملية شيخوخة مستمرة "وكل يوم يمضي يضاف إلى عمر هذه البويضات، فمثلاً السيدة التي تبلغ من العمر أربعين عامًا فإن عمر البويضات الموجودة لديها أربعون عامًا، وتقدم العمر كما يصيب الإنسان الكامل بأمراض مختلفة، فإنه كذلك يؤدي إلى بعض التغيرات في البويضات، والتي تنعكس في اضطرابات مختلفة أثناء الحمل أو أمراض وراثية وغير وراثية بعد الولادة؛ مما يقلل فرص تمتع الطفل بالصحة الكاملة" (خصوبة الإنسان في خطر: للدكتور علي بديوي محمد- مجلة (العربي) يناير 1998/ العدد 470).

وبالنظر إلى سن الزواج من الناحية الطبية يتضح الآتي:

* التعجيل بتزويج الأنثى قبل سن (18) سنة قد يعرِّضها للأضرار؛ حيث لم يكتمل نضجُها بشكلٍ كافٍ؛ مما يعرِّضها لبعض المشكلات الطبية، ويُستثنَى من ذلك المناطق الحارَّة التي تنضج فيها المرأة مبكرًا.

* تأخير تزويج الأنثى إلى سن (35) سنة قد يكون مضرًّا لها ولأطفالها الذين غالبًا ما يُصيبهم التشوُّه والخلَل بالجسيمات الصبغية (الكروموزومات) المسئولة عن الوراثة، مثل حالة (المغولية) أو (طفل الداون)Down Syndrome .

وهي حالة مشهورة غالبًا ما تصيب نسل الأمهات الكبيرات السن ما بعد 35 سنة (تكون أعراض حالة طفل الداون هي تشوه بالوجه يجعله يشبه وجه المغول، مثل الجفون المائلة، وجذر الأنف العريض، واللسان البارز، بالإضافة إلى التخلف العقلي وتشوُّهات القلب الخلقية، مع استعدادٍ للإصابة بسرطان الدم والتهابات الجهاز التنفسي.

ب- الرجل

على عكس المرأة، فإن الرجل يمتلك خلايا مُنشئةً للحيوانات المَنَوية تبدأ عملَها بعد البلوغ بعملية تصنيع حيوانات منوية جديدة، تستمر هذه العملية بشكل متجدد على الدوام، ويستغرق تصنيع الحيوان المنوي الناضج حوالي 64 يومًا تقريبًا.

لذلك تأخير سن الزواج عند الرجل لا يؤثر على عملية الإنجاب، اللهم إلا إذا كان يعاني من أمراض الجهاز التناسلي أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض السكر المتقدمين، أو أي مرض عضوي، أو إدمان مخدرات.. فكل هذا يؤثر على عملية الإنجاب وقد يَنتج عن هذا عقمٌ.