بقلم د. رشاد لاشين

قدوم مولود جديد يدخل البهجة والسرور على الأسرة وفي نفس الوقت تصحبه بعض التغيرات التي قد تؤدي إلى بعض المشاكل؛ لذلك يجب على الأسرة أن تتهيأ وتستعد لتحسن استقبال الحبيب المنتظر؛ فتفرح بقدومه، وتستمر فرحتها به.. وأهم فرد يجب أن نهيئه هو من ينال أكبر قدر من رعايتنا، وعنايتنا، واهتمامنا، ألا وهو أصغر فرد في الأسرة الذي هو أحب فرد إلى النفوس، مادام لم يأت من هو أصغر منه.

وقد سُئل أحد الصالحين: أي ولدك أحب إليك؟ قال: "الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والغائب حتى يعود".. فعند قدوم المولود الجديد ستتبدل المواقع، وسيتبوأ تلك المكانة، وتتوجه إليه الأنظار، وبقصد أو بدون قصدٍ، سيحظى بالقدرِ الأكبرِ من الرعاية؛ فيحس الطفل الأكبر بسحب البساط من تحت قدميه، وباهتزاز عرشه الهنيء وحينها قد يحدث ما لا تُحمد عقباه، ويحاول الانتقام من ذلك الغريم الذي احتل مكانه، ويمكن أن نواجه المشكلات الآتية:-

أ - الطفل الأكبر:

يتعرض لكثيرٍ من المشاكل النفسية والسلوكية والجسمية

1 – الإحساس بالدونية بتفضيل أخيه عليه.

2 – الإحساس بكراهية الوالدين لانصرافهم عنه.

3 – تولد مشاعر الغيرة التي قد تتحول إلى سلوكٍ عدواني فيتحين الفرصة، ويتعرض لأخيه بالأذى الذي قد يكون فادحًا في بعض الأحيان؛ مما يجر عليه مشكلة أخرى ألا وهي الشعور بالذنب والتأنيب.

4 – قد يعاني هذا الطفل من انتكاسةٍ في التطورِ الجسمي كأن يُعاني من التبول اللاإرادي بعد أن يكون قد تحكَّم من قبل.

ب – الطفل الصغير:

1 – قد يكون عُرضةً للضرب والأذى الذي قد يكون فادحًا في بعض الأحيان، كأن يجلس أخوه على أنفه فيودي بحياته، أو يُدخل آلة حادة في إحدى عينيه فيسبب له عاهة مستديمة.

2 – قد تتعرَّض العلاقة في الكبر بينه وبين أخيه الأكبر إلى مزيجٍ من الحقد، والحسد، والبغضاء، والرغبة في الثأر.

ما الذي يجب أن نفعله إذن... ؟

1 – يجب أن نشرح للطفل أثناء الحمل، وخصوصًا عندما يكبر بطن الأم، ويبدأ الطفل يلاحظ نخبره بأنه سيأتي مولود جديد بإذن الله ،وسيكون أخاه وحبيبه، ويجب ألا نتجاهل الطفل، أو نستهين بعقليته، مهما صغر، أو نتركه في حيرةٍ من أمره.

2 – أن نهتم بالشرح والتوضيح للطفل، بأن هذا أمرٌ طبيعيٌّ ،ونخبره بأنك هكذا جئت، وأن الناس جميعًا هكذا جاءوا، ولا بأسَ بأن نجعله يحس حركة الجنين وأن يسمع ضربات قلبه وأن يحتضن بطن أمه كأنه يحتضن أخاه ويقبله، ويقول له أخي حبيبي... فإن ذلك يصنع علاقة محبة مبكرة.

3- أن تحرص الأم على اصطحاب الطفل معها لزيارة صديقة لها بعد ولادتها، وتسمح له بملاحظة الطفل الصغير، وتبث فيه روح التشوق أن يكون له أخ صغير مثله حتى يفرحَ به ويلعبَ معه.

4- أن نبثَّ في الطفل رُوح الاهتمام بالمولود القادم بأن نصحبه معنا، ونحن نشتري حاجيات الطفل القادم، ليشاركنا برأيه وجهده، ويا حبذا أن نشتري له أشياء معه حتى يحس أن الطفل القادم مصدر بهجة له.

5- يجب أن نرتب مكاناً مستقلاً لنوم الطفل السابق قبل الولادة بعدة أشهر؛ لأنه إذا كان معتادًا على النوم في حضن أمه فسيفاجأ بمَن يأتي ويحتل مكانه بعد الولادة، وبذلك نكون قد زرعنا بذرة الخلاف والشقاق.

6-  الاهتمام بتدبير أمر رعاية الطفل، وأين يكون عند ذهاب الأم إلى المستشفى حتى لا يحس بالأزمة والصدمة، بسبب إهمال أمره، وتركه بلا رعاية، بسبب قدوم الطفل الجديد، ويا حبذا لو نحضر له قصة صغيرة تتكلم عن الطفل الجديد، والتدابير والخطوات التي تتم قبل وأثناء وبعد قدومه، أو فيلم كارتون يتكلم عن الإخوة المتعاونين.

7 - وعندما تذهب الأم إلى المستشفى نُفهمه بأنها ستعود بإذن الله، ومعها المولود الجديد الذي ينتظره؛ ويا حبذا لو أمكن أن نجعله يزور الأم في المستشفى، وأن يشاهد الطفل الصغير، وكذلك لو كان هناك أطفال حديثو الولادة آخرون أن نجعله يشاهد ويلاحظ حتى لا يحس أن هذه حالة خاصة بأمه فقط.

8- بعد عودة الأم من المستشفى، أول شيء تحرص عليه هو حسن استقبال الطفل، واحتضانه، والجلوس معه، ولو للحظات، وإشعاره بأهميته، وقيمته الكبيرة عندها، وأن نوكل مؤقتًا حمل الطفل الجديد إلى أحدٍ غيرها؛ حتى لا يحس أنها لم تعد له.

9 – يجب أن نشتري له لعبًا جديدة جذابة بحيث نقدمها إليه عند قدوم أخيه الجديد فيحس بجوٍّ من الفرحة والبهجة التي نالته مع قدوم أخيه، وينشغل بهذه اللعب فلا يلاحظ الاهتمام بالمولود الجديد الذي قد يُثيره، ويجب تجنب الكذب على الطفل بأن نقول له إن أخاك هو الذي أحضر لك هذه اللعب؛ بل يكفي وجودها فقط.

10 - يجب أن نعهد إليه بمَن يلاعبه من الأطفال الآخرين، وأن تضعه الأم  باستمرار على خريطة اهتمامها، بأن تحمله وتكلمه وتبث في نفسه البهجة والسرور، مهما كان الأمر... إنَّ بعضَ الأزواج يحسون بالغيرة لاهتمام زوجته بطفلها فما بالنا بهذا الطفل الصغير.

11- يا حبذا أن نحرصَ على إحضار صور للطفل وهو صغير، ونخبره أن هذه صوره، وهو صغير وأنه كان مصدر بهجة وسعادة للأسرة، وما زال حتى الآن.

12 – حينما يرى أخاه يرضع نفهمه أن الطفل الصغير هكذا يتغذى، ونفهمه أنه كان يرضع هكذا، ولكنه أصبح الآن كبيرًا، ويستطيع أن يأكل مثل الكبار ونشعره بقيمته وبتميزه.

13 – أن نجعله يلمس جسم أخيه تحت إشرافنا، بأن يمس رأسه ويمسك يده ويقبله، فيزيد التقارب بينهما، وأن نتجنب تماماً محاولة إبعاده عن أخيه.

14-  أن  نجعله يساعد الأم في تغيير ملابس أخيه.

15 – محاولة إشعار الطفل بأن أخاه الأصغر يحبه؛ بأن نقول له عندما يبتسم أخوه الأصغر إنه يبتسم لك؛ لأنه يحبك حتى نصل إلى مرحلةٍ أن يقول بنفسه يا أمي إن أخي يحبني.

16 – كلما كلمنا الصغير وداعبناه يجب أن نعطيه جرعة حنان مشابهة، وأن نظل ندرك أن عقله ما زال صغيرًا، ولا ننظر إليه أنه أصبح كبيرًا بقدومِ أخيه.

17 – يجب عدم المقارنة بينهما أمامه سواء منا، أو من الأقارب، أو الجيران، أو الزوار، وأن نلفت نظرهم إلى تجنب ما يُثيره، أو ينقص من شأنه، وكذلك لا يقول له أحد إن أخاك أفضل منك، وأن نتعامل مع كل طفلٍ على أنه وحدة مستقلة (كل ميسر لما خلق له).

18- إذا حدثت بعض التغيرات للطفل الأكبر مثل مص الشفاه أو التبول على نفسه بعد أن كان يتحكم أو التأتأة في الكلام ، يجب ألا نوجه له لومًا، أو نعلق عليه، بل نشعره بمزيدٍ من الاهتمام، ونغدق عليه جرعات أكبر من الحنان.

19 – يجب أن نُربي الطفل على الثقة بالنفس، واحترام الذات، وكذلك محبة الآخرين، والتعاون معهم.

20 – أن نحرص دائمًا على العدل والمساواة بين الأبناء، وأن يكون لنا عبرة بإخوة يوسف عليه السلام، وأن نعمل بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "إنَّ الله يحب أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القبل.