بقلم: د. رشاد لاشين

الحلقة الرابعة: انتصار المبادئ والإنجاز والتمكين (الآيات من 43- 57)

﴿وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إلى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)﴾.

متى يتحقق الإنجاز ويأتي التمكين؟

لا يأتي التمكين دون بذل، وصبر، وتحمل، وأخذ بأسبابه، ودفع لأقساطه، وسيدنا يوسف عليه السلام قد اجتاز في شبابه كل محطات الابتلاء، وأخذ بأسباب التمكين، وهنا جاء أوان انتصار المبادئ، وقطف ثمار الجهاد الطويل، وتحقيق الإنجاز والتمكين على أرض الواقع؛ فبعد أن كان سيدنا يوسف مستبعدًا مسجونًا، أصبح مرغوبًا فيه مستخلصًا من بين الناس لدى الإدارة الحاكمة مكين أمين،البلاد كلها مفتوحة أمامه؛ مُكِّن في الأرض؛ يتبوأ منها حيث يشاء.

طريقة التمكين وتوقيته يدبرهما الله تعالى بقدرته:

بعد النجاح في الابتلاء، والأخذ بأسباب التمكين، يقيض الله تعالى بقدرته الأحداث التي تأتي بالتمكين؛ فيرى الملك الرؤيا ويطلب تفسيرها، ولا يجد لذلك حلاًّ إلا عند المتميز صاحب الصلاح والعلم.

أولاً: اجتياز محطات الابتلاء

1- محطة الرخاء والإغراء:

يُبتلى بالرخاء وحياة القصور، وينتقل من المعيشة في البادية إلى المعيشة في قصر الرئاسة، وأوساط البذخ والبهارج والشهوات والخمور والفتن، فلا يتغير ولا يتورط، ولا يساير الاتجاه السائد، وكلما عُرضت له فتنة يستعصم ويلجأ إلى مولاه، وسلاحه الدائم وسط الفتن: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 23).

2- محطة التهديد ومحاولة كسر الإرادة:

محاولة الضغط من أجل التورط في الفواحش والتهديد بالسجن في حال عدم الاستجابة للفتنة، ولكن العفيف المستعصم لا تنكسر إرادته فيقاوم ويستحب السجن على الفاحشة: ﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33)﴾ (يوسف).

3- محطة الشدة ودخول السجن:

تحمل القيد والسجن سنوات طويلة شموخًا بالمبدأ ودفعًا لثمن العفة: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)﴾ (يوسف)، ﴿فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ﴾ (يوسف: من الآية 42)، ومدة البقاء في السجن ﴿بِضْعَ سِنِينَ﴾ توضح حجم الثمن المدفوع: فالبضع في اللغة ما بين الثلاثة إلى التسعة، وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين، ومنهم مَن قال إنه كان قد لبث قبله خمس سنين فجملته اثنتا عشرة سنة.

ثانيًا: الأخذ بأسباب التمكين

1- التميز العلمي:

كان سيدنا يوسف مثالاً للتميز العلمي الرائع، ونموذجًا للمتمكن الذي يحتاج إليه الناس، وتحتاج إليه الإدارة الحاكمة، ومن تميزه العلمي: العلم بتأويل الأحلام والعلم بالتنمية الاقتصادية وإدارة شئون المال وتدبير خزائن الأرض، فما كان يعتبره الناس وحاشية الملك أضغاثًا وخيالات وأوهامًا هو عنده علم له قواعد وأصول يفيد في واقع الناس وإدارة شئون الحياة التي تحتاج إلى الصلاح والنجاح معًا، وهذه تمثلت في قوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا﴾  فهو صديق صالح ثم هو صاحب العلم الذي يستطيع أن يفتي ويطلبه الناس للفتوى فهو ليس درويشًا منعزلاً، بل متميزًا ناجحًا، يحتاج إليه الناس.. ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إلى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)﴾.

وهذا يبين أهمية العلم للاستخلاف في الأرض فالله سبحانه وتعالى حينما اختار سيدنا آدم للخلافة في الأرض، كان أول شيء يحتاجه هذا الخليفة هو العلم (وعَلَّمَ آدَمَ): ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: من الآية 30).. ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (31)﴾ (البقرة).

قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (تعلموا قبل أن تسودوا).

2- الاتزان النفسي وحسن الصلة بالناس:

رغم كل ما تعرَّض له لا يلجأ للانتقام أو تصيبه الأحقاد والضغائن، ولكن من أهم سماته أنه متزن نفسيًّا هدفه الخير لكل الناس:

فهو لا يعيش أسيرًا لانفعالاته، ولا يمنع خيره عن مجتمعه، بل يقدم الحلول عن طيب خاطر، ولا يستغل المواقف للانتقام لشخصه رغم المعاناة الشديدة التي عاشها لسنوات طويلة: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)﴾.

3- إيثار المبادئ على المصلحة الشخصية:

يطلبه ملك البلاد للخروج من السجن الذي كبَّل حريته السنوات الطويلة؛ وينتظره اعتلاء منصب كبير في الدولة؛ فهل يمكنه التغاضي والتناسي والقفز على الماضي وتجاوزه بلغة المصالح والذكاء والفهلوة وحنكة السياسة وتحقيق المصلحة الشخصية؟! لا.. فالعفيف صاحب كرامة وعزة، والحق أبلج والباطل لجلج، وهو صاحب المبادئ العظيمة المضحي من أجلها، والهدف الرئيس ليس مجرد التنعم بالحرية والانفكاك من السجن وظلمته، بل انتصار المبادئ أولاً مهما كان الثمن، فلا مساومة ولا مداهنة، ولا صفقات على حساب المبادئ؛ لذا طلب أولاً إعادة محاكمة النساء لتجلية الحقيقة، ولا بد من إعلان عام لتوضيح الحقائق لكل الجماهير: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)﴾.

4- الاستقامة وتنمية الجانب الروحي والخلقي:

بعد إعادة محاكمة النساء وإعلان تبرئة الساحة تجلت حقائق مهمة تثبت أهمية الاستقامة وتنمية الجانب الروحي والخلقي في صناعة الحياة، وأن النفس الأمَّارة بالسوء تضيع النهضة، وتجر الإنسان إلى الفشل؛ فلو عادت بنا الأمور للوراء كان من الممكن أن ينخرط سيدنا يوسف عليه السلام في الشهوات والملذات، وأن يصبو إلى النساء، ويصبح من الجاهلين، وأن يفشل في تحقيق الإنجاز، وألا يصل إلى التمكين، وهذا هو ثمن الاستقامة الغالي ونتيجتها العظيمة، وقد أوضح النسوة وامرأة العزيز هذه الحقائق:

- البعد عن السوء: ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ...﴾.

- البراءة والطهر والصدق: ﴿... قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51)﴾.

- الله تعالى لا يهدي الخائن: ﴿ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)﴾.

- خطورة النفس الأمَّارة بالسوء: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)﴾.

وهذه الحقائق يجب أن يعيها الشباب جيدًا فضيق الأفق والنظر تحت الأقدام وطلب اللذة والشهوة العاجلة المُحرَّمة تُضيِّع الإنجازات وتحرم من التمكين.

5- الأمانة:

كل إدارة تنشد النجاح تحرص على استخلاص الأمناء المتمكنين: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)﴾. وسيدنا يوسف يعرض قدراته: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)﴾.

الأمانة والعلم من أهم مؤهلات القيادة والتمكين، وقد تجلَّى أهمية ذلك من خلال سلوك سيدنا يوسف عليه السلام في الآتي:

1- الأمانة والعلم خلال سنوات الرخاء:

الأمانة حتى لا يحدث الإسراف والتبذير، والمحاباة وخدمة المصالح الشخصية، والعلم بفنون التسيير، والتقويم، والتخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والإنتاج.

2- الأمانة والعلم خلال سنوات الأزمة:

حتى يتحمَّل الناس عواقبها الوخيمة بالعدل، وتحقيق حسن التوزيع، وترشيد الاستهلاك، والتخطيط للخروج من الأزمة بتجنيد القوى العاملة إلى أقصى الحدود، وتشجيع الناس على الإنتاج أكثر من الاستهلاك؛ لتحقيق النمو الاقتصادي.

6- الإحسان:

المحسن المتقن المبتكر المجتهد يمكنه الله تعالى، ويفتح أمامه أبواب القيادة والريادة، هكَّذا مكن الله تعالى لسيدنا يوسف عليه السلام في الأرض؛ فأصبح يتبوَّأ منصبًا رفيعًا بعناية الله تعالى ورحمته وجزاءً منه على إحسانه.. ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)﴾.

وهذا يؤكد أهمية تربية الشباب على الإتقان والتجويد والتحسين حتى يأتي التمكين: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ (العنكبوت).

7- حسن الصلة بالله تعالى:

وتمثل هذا في ثلاثة أمور: ﴿وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)﴾.

1- العمل من أجل الآخرة: ﴿وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ﴾.

2- الإيمان: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾.

3- التقوى: ﴿وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾.

8- الحرص على استجلاب رحمة الله تعالى:

تجلَّت رحمة الله تعالى هنا في أمرين هما الحماية والتمكين:

1- رحمة الله تعالى تحمي النفس من الانزلاق في السوء:

﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)﴾.

ويُستخلص من قول امرأة العزيز: هو أن النفس أمَّارةٌ بالسوء أي: أن نوازع الشر جزءٌ من الطبيعة البشرية ولا ينجو منها إلا مَنْ رحمه الله، وتداركه بغفرانه؛ مما يدل على أن الإيمان بالله سبحانه وتعالى، واستدرار رحمته منجاة من الوقوع فريسةً سهلةً لنوازع الشر.

2- رحمة الله تعالى تجلب للإنسان التمكين في الأرض:

﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)﴾.

الإحسان يجلب الرحمة، والرحمة تجلب التمكين؛ لذا يجب على الإنسان أن يحسن استجلاب رحمة الله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ﴾ (الأعراف: من الآية 56).

9- القدرة على التخطيط والتنظيم وامتلاك الرؤية المستقبلية:

مَن لا يجيد فنون الإدارة والتخطيط والنظرة المستقبلية والتنفيذ لا يستطيع أن يصنع الحياة، وقد كان سيدنا يوسف متميزًا في كل ذلك، وهذا يتضح في خطته الرائعة لخمس عشرة سنة مقبلة والمقسمة: 7 +7 +1:

﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)﴾.

10- إتقان العمل والابتكار:

بعد التخطيط الرائع تميز سيدنا يوسف عليه السلام في التنفيذ بإتقان العمل على أكمل وجه، فعمل على تحسين فنون الزراعة، وما يرتبط بها من سقي، وتعهُّد، ورعاية، وحصاد، وجمع، وتخزين، وتوزيع؛ وابتكر فكرة تخزين القمح في سنابله حتى لا يتلف، وحرص على أن يكون الإنتاج في سنوات الرخاء أعلى من الاستهلاك، وأن يكون احتياطي الموارد الغذائية كبيرًا، ومبنيًّا على حسابات دقيقة؛ بحيث يغطي هذا الاحتياطي حاجة المجتمع خلال سنوات الأزمة.

وبعد: لم يبق إلا العمل

هذه الحلقات أهديها إلى كل المراهقين، وكل الآباء وكل الأمهات، وكل الخبراء والمتخصصين في التربية سائلاً المولى عز وجل أن يستفيد بها الجميع في الواقع العملي، وأن يجعلها نفعًا للإسلام والمسلمين.

وبقي أن نعمل على تطبيق هذه الدروس المستفادة، ولا نقول إن هذه خاصة بالأنبياء وليست خاصة بنا؛ فالله تعالى أورد لنا القصص القرآني للعظة والعبرة والاقتداء والتأسي، وليس للتسلية أو لمجرد الحكايات، وقد ورد في بداية سورة يوسف: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)﴾ (يوسف).

وورد في آخر آية فيها: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)﴾ (يوسف).

فهذا القصص وهذا التفصيل هدى نهتدي به في طريقنا، ورحمة يرحم الله تعالى بها المؤمنين به؛ لذا وجب أن نُحسن تربية شبابنا على ضوء المعطيات السابقة، ومن خلال خطط تربوية انطلاقًا من الحلقات الأربعة التي أمدتنا بأروع خطة للتعامل مع مرحلة المراهقة طبقًا لأرقى منهج تربوي في العالم ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138)﴾ (البقرة)، وأن نعمل جميعًا على توظيف طاقات الشباب في العلوم النافعة، واكتساب مهارات القيادة، وتحمل المسئولية، وفنون الإدارة والقدرة على التخطيط والتنظيم والتنفيذ حتى نحمي شبابنا، ونُحسن إعدادهم من أجل التمكين لأمتنا الحبيبة بإذن الله تعالى، فهيا إلى العمل.