قال البروفيسور الفرنسي من أصل إيراني فرهاد خسروخاور في مقال نشره موقع "ميديابارت" الفرنسي، إن فرنسا تسير منذ أكثر من 30 عاما في الطريق الخطأ في سياستها تجاه الإسلام، منبها إلى أن العلمانية تحوّلت من نظام للحفاظ على حياد الدولة إلى دين مدني، تتعارض معاييره المقدسة مع معايير الإسلام.

ولإظهار الخطأ في هذه السياسة، حلل "خسروخاور" بإيجاز الحجاب الإسلامي والسلفية؛ كأكثر جوانب هذه السياسة شهرة. وأوضح أنه بالرغم من أن "فرنسا هي الدولة الغربية التي نفذت أكبر عدد من التدابير التشريعية والإدارية المقيدة للبس الحجاب، فإن ذلك لم يمنع تزايده وجاذبيته بين المسلمات، هذا رغم أنه ينظر إلى الحجاب في فرنسا على أنه رمز للنظام الأبوي وهيمنة الذكور وضعف مكانة المرأة، كما يوسم بأنه علامة لرفض الحداثة الفرنسية، وأنه يتعارض مع العلمانية".

ورأى الكاتب أن سياسة الدولة في فرنسا تمثلت في محاولة إقصاء الحجاب من الفضاء العام، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات القسرية وتشويه السمعة، وحتى الوصم عن طريق القوانين أو التنديد الثقافي، إلا أن النتيجة غير مبشرة كما نراها يوميا. وأنه من الجيد "إضفاء الشرعية على الحجاب الفردي دون الحجاب الأصولي، لأن العديد من الشابات اللاتي يرتدين الحجاب موافقات على الاشتراك في النسخة "الجمهورية" من الحجاب، فهن يعترفن بالمساواة بين الجنسين، وينددن بانتهاكات حقوق المرأة".

وعن الخطأ الذي ترتكبه الحكومة الفرنسية قال "بدلا من تشجيعهن على الانضمام إلى الجمهورية -كما يقول الكاتب- تم عزلهن وحرمانهن من المواطنة الكاملة، وأصبحن موضع شبهة بأنهن يحملن مخططات أصولية سوداء بشأن موضوع العلمانية، وبالتالي تم رفضهن بشكل غير شرعي واعتبارهن غير فرنسيات حقيقيات". مضيفا "النتيجة.. هي تقوية القبضة الأصولية لأن أنصارها يدينون دولة ومجتمعا يرفضان الإسلام ليس فيما ينظر إليه على أنه تجاوزات، بل في مجمله".

وأشار إلى أهمية "قبول "الحجاب الجمهوري" بإعطاء المرأة المسلمة فرصة للتعبئة ضد "الحجاب الأصولي"، والتوقف عن تشويه سمعتها ودفعها إلى أحضان الأصوليين، مؤكدا أنه على الدولة أن تعزز الإسلام التقدمي لا من خلال وصم الحجاب، بل من خلال تفضيل مرتدياته ممن يلتزمن طواعية بالمعايير الجمهورية.

وأشار إلى أن "الحجاب الأصولي" هو الأكثر معاداة للجمهورية دون أن يكون أبويا، لأن من يرتدينه هن من أخذن زمام المبادرة ويروجن لقيم جديدة بطريقة استفزازية ضد مجتمع لا يعطي معنى لحياتهن، كما يقول الكاتب.

السلفية الجهادية
البروفيسور الفرنسي فرهاد خسروخاور هو مدير الدروس بالمدرسة المرموقة في فرنسا "مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية" بباريس المعروفة اختصارا بــ"إي إتش إس إس" (EHESS)، ويحلل تاليا "السلفية" بانها الرؤية الجديدة "للانفصالية" ستضع حدودها في المستقبل، خاصة وأن تقييد التعليم في المنزل "هو الحس السليم"، وكذلك القرارات الأخرى المتعلقة بالتعليم الديني، لكن الأساسي أمر آخر.

ورأى أن "السلفية" تزدهر بشكل خاص في الأحياء المهمشة، حيث يتجاور الفصل الديني وارتفاع معدلات البطالة والفقر والجنوح وانعدام أفق الأمل. معتبرا أن "التشويه الذي يلقيه المجتمع على الإسلام"، يؤثر في انعزالهم موضحا أن سكان هذه الأحياء يشعرون بنزع الشرعية عن ثقافتهم ووجودهم بشكل عام، مما يدعو الكثير منهم لتبني موقف التحدي والاستفزاز تجاه المجتمع الذي يحرمهم من كرامتهم وحقهم في التنوع الاجتماعي.

وأضاف أنه "حان الوقت لعكس سياسة الدولة  ووضع حد للأحياء الحضرية التي من المحتمل أن تصبح أحياء إسلامية معزولة، وثانيا الاعتراف الكامل بالإسلام الشرعي، لا سيما من خلال الاعتراف بالحجاب الفردي".

واعتبر أن "الانفصالية" هي في المقام الأول تلك الخاصة بالمجتمع والدولة تجاه المسلمين، لا العكس، ووضع حد للشك الذي يثقل كاهل المسلمين سيجعل الحل أسهل حيث سيتدخل المجتمع المدني والمسلمون بداخله بفاعلية لعرقلة الطريق إلى الأصولية والتطرف الديني، ولن يكون ذلك إلا بإعادة تأهيل الإسلام الفردي في مواجهة الإسلام الأصولي".