بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وعلى آله وصحبه أجمعين،
وبعد...

تشهد المنطقة العربية والإسلامية الآن أحداثًا مُزلْزِلَةً، وتُخيم عليها أجواءُ الحرب والظلم والعدوان من قُوى الشرّ والجَور من الأمريكيين والصهاينة، حيث تتواصل عمليات القتل لأبناء الشعب الفلسطيني، وتستمر الاغتيالات بأيدي اليهود الصهاينة لقادة المقاومة في محاولة يائسة للقضاء على مقاومتهم وإخماد انتفاضتهم المباركة التي أقضَّت مضاجعَ السفَّاحين وسفَّاكِي الدماء من بني صهيون، وفي العراق تسيل الدماء ظُلْمًا وجَورًا، ويسقط أبناء العراق قتلى؛ دفاعًا عن أرضهم وعِرضِهم ضدَّ السَّفَهِ الأمريكي، ذلك الغول الذي يُريد أن يبتلع العالم كله، وينشر الظلمَ ويؤسس لشريعة الغاب، مستخدمًا في ذلك القوة الغاشمة ضد الأبرياء العُزّل من شعوب الأمة، فتعُمّ الفوضى، وتكثُر البلوى، وتُهدم القيم الإنسانية، وتتناثر أشلاء البشر في فلسطين والعراق وأفغانستان، وتَصِل يدُ الغدر والقتل إلى المساجد، ويقعُ التقتيل للمصلين والأئمة ورجال الدين حتى الداعين منهم إلى استنفاذ وسائل المقاومة السلمية قبل المقاومة المسلّحة للمعتدين، وما اغتيال الشيخ العلامة الإمام "محمد باقر الحكيم" في (النجف) عنا ببعيد.

وهكذا يتَّسع ويتفاقَم الخطر المُحدِق بالأمة، مُتحلّلاً من كافة القيم والمُثُل لِيَعيثَ في الأرض فسادًا، ويُعمل سِلاحَه المُجرم في رِقاب وأرضِ وديار العرب والمسلمين ليقضيَ عليهم- تفتيتًا وتجزيئًا لعالمهم، وهدمًا وطمسًا لهويتهم، وصرفًا لهم عن دينهم-؛ ليصبح ما يجري في فلسطين وفي العراق وفي السودان، وكافة الأقطار نماذجَ صارخةً داميةً ووحشيةً لهذا العدوان، وصدق الله العظيم القائل: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا﴾ (البقرة: من الآية 217).

ويتصور الظالمون المعتدون- عَبَثًا- أنهم بذلك يمكن أن يُحققوا السيطرة والاستقرار لاحتلالهم، وأن ينالوا ثماره ويحققوا أهدافه، فهل حدث هذا الاستقرار وتحققت هذه الأهداف؟ كَلا، لم ولن يحدث هذا الاستقرار، طالما أن المقاومة الباسلة الشجاعة من أبناء الأمة تُزَلْزِل الأرضَ تحت أقدام المحتلين، وتُهدد معاقل الظلم والجبروت، رغْم قِلَّة الإمكانات وانعدام النصير من دول الجوار التي أدارت الظهور، وجرى وضعُ الأصابع في الآذان كما جرى تكميمُ الأفواه؛ حتى لا يُسمح للشعوب أن تَنْصر الأشقَّاء المُعتدَى عليهم وعلى أرضهم وديارهم في فلسطين وفي العراق وفي كافة الأقطار.

وتتعرض المقاومة في فلسطين بفصائلها المختلفة- وخاصةً (حماس) و(الجهاد)- لموجات عاتية من العدوان الصهيوني- الأمريكي، ويجري حصارُها للقضاء عليها ولاجتثاث جذورها، إلاَّ أن الله العليَّ القدير أعلى وأعزُّ، وهو ناصرُ حزبَه ومعزُّ جندَه ولو كره الكافرون، وعلى ذلك مضَت سُنَّة الله في كونه، وكتب الأسلاف الصالحون من المؤمنين وسجَّلوا صحائف من نور ستظل خالدةً أبد الدهر حتى يرِثَ اللهُ الأرضَ ومن عليها، وبالإيمان والجهاد والفَنَاء فيهما- عن كل ما سواهما- انتصر الإسلام بالأمس وسينتصر بإذن الله اليوم، وستعلو رايته، وتظهر كلمته، مادامت هناك أجيال لا تحني الهامة إلا للرب، ولا تفرطُ في حق، ولا تنسلخُ عن هوية، ولا ترضى بهوان، ولا تَقْبلُ على دينها وأرضها وديارها وأعراضها أيَّ عدوان، يتمثَّلون ويَمْتثِلون لقول الحق عزَّ وجلّ- كما تمثَّل وامْتثل له أسلافهم-: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة:24).

ولكن هل يستوعب المعتدون الدرس، ويدركون أو يتعلمون من التاريخ ومن الحاضر أن القوة الظالمة لا تُجدي أمام أصحاب العقائد من جند الله، وأن أصحاب الحق منتصرون، ماداموا لربهم ينصرون، ولدينهم متمسكون ومنحازون، لا تغيب عنهم آياتُ الله في كونه وخلْقه وفي كافة الجبارين الطغاة، ولا يغيب عنهم وعدُه للصادقين من عباده، وهو القائل سبحانه: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ﴾ (القصص:5-6).

مسئولياتٌ جِسامٌ

إن مسئوليات الحكام والشعوب اليوم جسام، والحساب عليها عسير وعسير، أما مسئولية الدعاة إلى الله- إزاء المجاهدين في فلسطين وفي العراق وكافة الأقطار والديار، وعن مواجهة أعداء الأمة في سعيهم لتركيعها ومصادَرة حقّها في الحياة الحرَّة الكريمة، والنهوض بدورها الريادي والحضاري لنشر النور والحق وتأكيد العدل والإنصاف وترسيخ القيم والمثل- فهي عظيمة.

وإذا كانت الشعوب قد أكدت تمسكها بوحدة الصف والكلمة فعلى الدعاة والمخلصين أن يجسِّدوا هذه الوَحدة حقيقةً على أرض الواقع؛ بتأكيد وتعميق أواصر الأخوة، وتعزيز وتوثيق روابط العقيدة، كما أن الشعوب قد أكدت في كل المواقف وأمام كل الشدائد أنها مع الجهاد والتصدِّي للعدوان، وأنها الكريمة في العطاء والبذل، والسبَّاقة إلى التضحية... فإنَّ على الدعاة وكافة المخلصين في كافة الديار أن يعملوا حتى يظلَّ سيلُ العطاء والبذل والتضحية مُتدفِّقًا لا ينقطع ولا يتوقف، حتى لو صدرت قراراتٌ تُصادر وتجمّد أموال ومصادر إنفاق الذين اعتُقِل عوائلهم، وهُدمت بيوتُهم، وجُرفت أرضُهم، وأُغلقت أو دمِّرت معاهد تعليمهم.

كما أن مهمة المخلصين المهمومين بهموم الأمة والدعاة إلى الله، على كافة الساحات، هي تفويت الفرصة على قوى البغي، التي تسعى لبثّ الفتن الطائفية لدفع قوى وطوائف الأمة لمحاربة بعضها البعض.
والتفجير الإجرامي الذي أوْدَى بحياة آية الله السيد "محمد باقر الحكيم" ومائةٍ وعشرين من أبناء الشعب العراقي الأبرياء- في بيت من بيوت الله- مثالٌ من أمثلة السعي الدنيء لإحداث هذه الفتنة النّكراء البشِعة؛ مما يحتِّم على علماء الأمة الدعاةِ والمخلصين كشْفَ مخططات الطغاة.. وتوجيهَ الأذهان والأبصار إلى خُبْث مقاصدِهم، وسُوء نواياهم، وليظل قول الله- عز وجل- راسخًا متجذِّرًا في القلوب والعقول، ينطبع عملاً وفعلاً على السلوك والتصرف... ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:71).

واجبٌ مقدسٌ

إن جهاد الأعداء واجب مقدس، والأُمَّة أمام موقف فاصل... إما الركوع لغير الله، وطمس وضرب العقيدة، والسيطرة على الأرض والديار والمقدسات، ونهب الثروات... وإما المواجهة استجابةً لأمر الله؛ دفاعًا عن العقيدة وعن الأرض، وعن العزة والكرامة... وصدق الله القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ (الأنفال: من الآية24).

أما رجال المقاومة في فلسطين والعراق وكافة الديار فنقول لهم صبرًا، ونذكُر معهم ونذكِّرُهم وكافةَ المجاهدين في كل حين بقول الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200)، وقولِه: ﴿وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء:104).

إن ما يجري اليوم على ساحة عالَمنا هو حلقةٌ من سلسلة الصراع بين الحق والباطل، وهي حلقةٌ ممتدةٌ منذ آدم إلى قيام الساعة، والحق فيها منتصرٌ، والباطل فيها زهوقٌ، وسيُهزَم الجمعُ ويولُّون الدُّبر، ما دام لله في أرضه جنودُه الصادقون، الذين ينصرونه فيستحقون وعدَه ونصرَه... ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد:7)، ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونََ﴾ (يوسف: 21).

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.