إن الداعية الذى يعرف غايته ورسم طريقه خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرف ويوقن بأهمية الإهتمام بقلبه وأن القلوب لها أعمال خاصة تمدها بالحياة مثل تلاوة القرآن والذكر والقيام والصدقة وسلامة صدر ودعاء فى جوف ليل...
فإذا وفق الله الداعية إلى هذا فقد تحقق له

  1. محبة الله جل وعلا له وهي الغاية العظمى التي يسعى لها كل مسلم. قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي".
  2. القبول له في الأرض، ومن ثَمَّ محبة الناس له، والاقتداء به، والتأثر بدعوته وتربيته، بل وفي رؤيته وسمته وإن لم يتكلم فإنها تذكر بالله جل وعلا. وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبدًا نادى: يا جبريل إني أحب فلانًا، فيحبه جبريل، ثم يحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض".

    قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} أي: في قلوب عباده، وفي حديث: "إن الله إذا أحب عبدًا نادى: يا جبريل، إني أحب فلانا..." الحديث.

  1. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب – بإذن الله – في الإكثار والمسارعة للطاعات، واجتنابه للمعاصي والمنكرات. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [إذا حسنت السرائر أصلح الله الظواهر، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
  2. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب في استمراره في طريق الدعوة والتربية والصبر والمصابرة على ذلك. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [أعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء، وأقواها المحبة وهي مقصودة تراد لذاتها].
  3. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب في تطهير قلبه من آفات القلوب وأمراضها كالحسد والكبر والرياء والعجب والحرص على الشهرة وحب الظهور وغير ذلك من الآفات، فبقدر تمكن أعمال القلوب وقوتها في قلب المربي يكون تطهير قلبه من أضدادها، فالإخلاص مثلًا ينفي ويطهر من القلب الرياء والعجب وحب الشهرة والظهور، والتواضع ينفي ويطهر من القلب الكبر والتعالي، ورد الحق خاصة إذا ورد من الخصم. وسلامة القلب تنفي عنه وتطهره من الحسد والغل... وهكذا.
  4. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب في حفظه من زيغ القلوب واتباع الهوى عند ورود الشبهاب والشهوات، قال تعالى عن يوسف عليه السلام: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}.
  5. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب للهداية للحق والسداد في الآراء عند ورود الشبهات وأيام الفتن والملمات.

  6. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب للثبات على الحق والانتصار به عند ورود الشدائد والمحن، يقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}.

  7. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي من أسباب نصر الله جل وعلا لعبده، وظفره على من عاداه، فالصبر والتقوى من أعمال القلوب، اللذان لهما أثر على أعمال الجوارح، وبهما يستنزل النصر، ويتحقق الظفر. قال تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}. وقال تعالى: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}.

8. إن قيام المربي بأعمال القلوب كما ينبغي سبب في أثره الطيب والذكر الحسن له بعد موته. يقول ابن المبارك: [ما رأيت أحداً ارتفع مثل مالك، ليس له كثرة صلاة ولا صيام، إلا أن تكون له سريرة] .

والشاهد من هذا أن الإمام مالك رحمه الله تعالى طاب أثره ورُفع ذكره بعد موته – وذلك بسبب خبيئة في قلبه وحسن سريرته، نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً – إذ كان من الأئمة الأعلام المقتدى بهم، بل وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المتبعة.