لقد أثير الجدل حول كون الإخوان انحرفوا عن منهجهم ومبادئهم التي أنشأ الإمام البنا عليه الجماعة، ومع أن مثل هذه التهم لم تسلم منها الجماعة حتى في وجود الإمام البنا إلا أنه رد عليها ليبين منهج الإخوان وليكون واضحا للعيان في كل زمان

فيقول:

إن اتهام الإخوان بالانحراف عن الدين إلى السياسة طالما كتب فيها الإخوان وأطالوا وأسهبوا وخلاصة ما قيل ويقال إن هناك أربع نظرات يجب أن يتأملها المنصف قبل أن يصدر حكمه في هذا الاتهام:

الأولى: أن طبيعة الدين الإسلامي نفسه لم تفرق بين الدين والسياسة، وتعرض الإخوان للسياسة سواء أكانت من حيث المطالبة بحرية البلاد وحقوقها أم وجوب الأخذ بنظم الإسلام الحنيف فى أوضاعها الاجتماعية على اختلافها ففرض مستمد من الإسلام نفسه ومعتمد عليه وهو جزء من أجزاء هذا الدين لا انحراف فيه.

الثانية: أن الإخوان فى الحقيقة قد اضطروا إلى ذلك اضطرارًا بفعل الحوادث والظروف وحدها، فقد كان نشوب الحرب العالمية الثانية وإعلان الأحكام العرفية وكبت الحريات وتوجيه الاضطهاد إلى الإخوان بحيث لم يكن منفذا للدفاع إلا مجلس النواب، ثم كانت الهدنة بعد ذلك، وتطلع الشعوب إلى استكمال استقلالها والحصول على حقها مع ضعف الهيئات السياسية فى مصر وتفككها واختلافها..

كل ذلك دفع بالإخوان وهم هيئة شعبية كبرى إلى هذا المسرح، ومع هذا فقد أبلت أحسن البلاء فى هذا الميدان، وساهمت فى قضية الوطن وقضايا البلاد العربية والإسلامية بأوفى نصيب، ولو أخذ الساسة والحكماء بما أبدى الإخوان من آراء فى علاج قضية فلسطين وحل قضية السودان لما وصل بهم إلى هذا الحال، وقرارات ومؤتمرات الإخوان وهيئتهم التأسيسية ومذكراتهم ورسائلهم خير شاهد على صدق هذا الكلام.

الثالثة: أن الإخوان لم يعملوا يومًا من الأيام على أساس المناورات الحزبية أو المغانم السياسية، ولكنهم عملوا بروح الوطنيين المتجردين الذين ينظرون إلى المسائل من حيث نفعها للوطن إحساسًا بمصلحته، وإن كانت طبيعة الحزبية السياسية لم تعفهم من مظاهر الخلاف والخصام، ولكنهم مع ذلك لم يخرجوا عن حدود الدفاع المهذب، وتمنى الخير للجميع، والترحيب بالوحدة والجماعة والدعوة إليها فى كل حدث من الأحداث.

الرابعة: أن الإخوان حين اقتحموا هذا الميدان منذ سنة 1945 كانوا أمناء على مبادئهم وخطتهم ومشروعاتهم، فأعلنوا بمناسبة صدور قانون الجمعيات الخيرية أنهم يفصلون تمام الفصل نشاطهم الاجتماعي الخيري عن نشاطهم الديني والوطني، وظلوا يعملون فى الميدانين فى حدود النظام والقانون، وسجلت جمعياتهم فى وزارة الشئون الاجتماعية، ولم تر حكومة من الحكومات فى هذا الوضع انحرافًا عن الدين أو خروجا على القانون أو منافاة للنظام أو تنكرًا لمبادئ الجماعة نفسها، حتى يقول سعادة وكيل الداخلية "إن هذه الجماعة قد خرجت على نظامها الأساسي" مع أن كل ما هناك تنظيم وتفصيل.

بطلان اتهام العمل على قلب نظام الحكم

وهذه فى الواقع أعجب الاتهامات، ولا ندرى أى نظام حكم يعنى هؤلاء المتهمين، إن نظام الحكم فى مصر إما دينى وهو الإسلام الذى ينص الدستور على أنه دين الدولة الرسمى وإما مدنى وهو النظام الديمقراطى الذى يقوم على إرادة الشعب واحترام حريته، والذى فصله الدستور تفصيلا فهل الإخوان المسلمون يعملون على قلب أحد هذين النظامين؟ اللهم لا! وألف مرة: لا!

فإن أساس دعوة الإخوان هو الإسلام، ولا وسيلة لهذه الدعوة ولا حماية لها إلا بالدستور الذى يكفل الحريات، فكيف يوجه إلى الإخوان مثل هذا الاتهام؟ والحق أن الذى قلب نظام الحكم فعلا هو هذه الحكومات التى أهملت أحكام الإسلام وعطلت روح الدستور.

هذه المنكرات الفاشية، وهذه الدور المشيدة للهو واللعب والخمر والميسر والرقص والعبث والفساد، وهذه الفرائض المهدرة التى لا يؤديها الكبار ليكونوا قدوة لغيرهم من الناس، وهذه الأحكام المستمدة من غير كتاب أحكم الحاكمين كل ذلك هدم للإسلام، وقلب لنظام المجتمع الذى يؤمن بالإسلام، وهذه المظالم الواقعة على الأفراد والجماعات وإهدار الحقوق

وكبت الحريات ومنع المجالس والبرلمانات وتزييف إرادة الشعب فى الانتخابات قلب لنظام الحكم المدنى الذى يقوم على الدستور، وليس المسئول عن ذلك الإخوان المسلمين ولكن الحاكمين المسيطرين، وإنما يريد الإخوان صلاح الحال واستقامة الأوضاع الدينية والدنيوية فى هذا البلد الأمين بوسيلة معروفة مشروعة هى الدعوة والاجتماع والتربية وحسن التوجيه، وذلك حق لكل مواطن لا يحول بينه إلا كل ظالم معتد جبار، والله من ورائهم محيط.

على أنه إذا كان الكيد والألم من هذا الحال المقلوب، وهذا الباطل الزائف الذى يلبس ثوب الحق زورًا قد وصل ببعض الشبان من الإخوان أو غير الإخوان إلى أن يتخيلوا أو يفكروا أو يظنوا أن فى مقدورهم أن يغيروا هذا الوضع الفاسد بوسائل من العنف كاستخدام القوة، فهؤلاء مسئولون عن نتائج تفكيرهم، وليست هيئة الإخوان مسئولة عنهم أو عن غيرهم ما دام طريقها واضحًا، ووسيلتها معروفة معلنة على الخاص والعام مقررة فى قوانينها ونظمها ورسائلها لم تخرج عليها يومًا من الأيام.

ومن الإنصاف أن نقول لوجه الحق:

إن الحكومات المتعاقبة، والتيارات السياسية فى مصر مسئولة مسئولية كبرى مع هؤلاء الشبان عن سلوكهم هذا الاتجاه، فهى بتماديها فى الباطل وكبتها للحق دفعتهم دفعًا إلى هذا السبيل، ونحن لا ندافع بهذا القول عن هذا الاتجاه الذى لا نشجعه ولا نرضاه فإن خطتنا الصبر والمطاولة والتربية والتكوين والانتظار، ولكنها كلمة حق يجب أن تقال لعل فيها تبصرة وذكرى ونذيرًا للغافلين عن تطورات النفوس وتقلبات الأحوال.