..من تراث فضيلة المرشد العام الأستاذ / مصطفى مشهور

لقد اقتضت سنة التدافع بين الحق والباطل، والصراع بين الخير والشر أن يكون للمؤمنين أعداء يتربصون بهم على مدار التاريخ ويكيدون لهم، وتكون العاقبة دائما لجند الله وأوليائه، (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) - (الرعد: من الآية17).. (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً) (الاسراء:81)

والمسلمون أصحاب الحق دائما أقوياء بحقهم، بينما أعداؤهم ضعفاء بباطلهم وعدوانهم، أقوياء، لأن الله معهم وما دمنا نلتزم بهذا الحق ونعمل به، وهو سبحانه القوى القاهر عليهم، لأنه عدو الظالمين والباغين والمبطلين، وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين، ولذلك فنحن نرجو من الله مالا يرجون، وفى كل أدوار التاريخ وتطورات الأمم ما التقى الحق بالباطل، إلا خذل الباطل وأهله، وانتصر الحق وأهله.. يقول الحق سبحانه (قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) (طـه:135)..

وحين يستعيد المؤمنون أحداث التاريخ العظيم لدعوة الله ودعاتها الأبرار تجيش النفس بالذكريات وهى ترى موكب الأنبياء يحمل راية التوحيد، ويمضى فى الطريق إلى الله، يحمل هموم هذه الرسالة التى خلق الله العالم من أجلها فقال (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56).. حين نصاحب موكب الأنبياء يزداد الأمل ويقوى الرجاء، رغم الواقع المر، والتآمر والكيد لأمة العرب والمسلمين، يقوى الأمل خاصة عند الغيورين والحريصين على مستقبل هذه الأمة، ولذلك يجب أن نتابع المسيرة وأن نعيش أحداثها،

وأن نأخذ منها العبرة والعظة والدروس لواقعنا الذى نعيش فيه فنوقن بالحقائق التى تعطى الأمل بلا حساب، وتفتح أبوابه أمام المستقبل الزاهر لهذه الأمة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69).. ونجد العاقبة دائما للمؤمنين المتقين، والهلاك للمستكبرين الظالمين الباغين، يقول الحق سبحانه ( وكان حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم: من الآية47) ويقول (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) (الانبياء:11).. ويقول سبحانه (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ، فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) (لأعراف:4-5).. ويقول سبحانه (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس:103).

قوة الإسلام

ولقد ختمت الرسالات السماوية برسالة الإسلام الخالدة التى حملتها الأجيال المؤمنة إلى اليوم، ومن يوم نزول هذه الرسالة وأتباعها يملكون رصيدا ضخما لا يمكن أن تملكه دعوة أخرى، ويقف تحت راية الإسلام قوة الجماهير المؤمنة بربها وقرآنها، وهى تتطلع دائما إلى من يقودها باسم الله، ويضع يدها فى يد رسول الله، جاء فى كتاب "الإسلام قوة الغد" للرحالة الألمانى بول أشميد: يعبر عن نظرة الغربيين للإسلام يقول "إن مقومات القوة فى الشرق الإسلامى تنحصر فى عوامل ثلاثة:

أولا: قى قوة الإسلام كدين، وفى الاعتقاد به، وفى مثله وفى مؤاخاته بين مختلفى الجنس واللون والثقافة.

ثانيا: فى وفرة مصادر الثروة الطبيعية فى رقعة الشرق الإسلامى، هذه المصادر لا تدع المسلمين فى حاجة إلى أوربا أو غيرها.

ثالثا: خصوبة النسل البشرى لدى المسلمين، مما جعل قوتهم العددية قوة متزايدة " ثم ختم كلامه بقول: "فإذا اجتمعت هذه القوى الثلاث فتآخى المسلمون على وحدة العقيدة، وتوحيد الله، وغطت ثرواتهم الطبيعية تزايد عددهم، كان الخطر الإسلامى خطرا منذرا بفناء أوربا، وبسيادة عالمية فى منطقة هى مركز العالم كله... ثم يقول محرضا للغرب على المسلمين "يجب أن يتضامن الغرب شعوبا وحكومات، ويعيدوا الحرب الصليبية فى صورة أخرى ملائمة للعصر، ولكن فى أسلوب نافذ حاسم".. وهذا ما يحدث اليوم فى المنطقة، فالصهاينة يمرحون ويقتلون المسلمين أمام سمع الدنيا وبصرها، وأمريكا تمدهم بكل ما يملكون وتشجعهم على المزيد من العدوان، والمسلم أصبح متهما ومطاردا فى كل مكان.

إن الصراع لا ينقطع بين الذين يؤمنون بالله، والذين لا يؤمنون إلا بالمادة، ومن هنا فقد وجب على الأمة التى تواجه الأزمة الخطيرة التى تطحن العرب والمسلمين اليوم أن تبحث عن وسيلة تمنع بها الإبادة والقتل، والطرد، والامتهان، يجب أن نستيقظ على وقع هذه الكوارث التى تحرك الجماد، وتبحث عن طريق ومخرج من هذه الأزمات، إننا نعيش فى عصر الذئاب المسلحة والبوارج والطائرات والأعداء المتربصين، والوحوش الطامعين، فيجب أن تعود الأمة لمصدر قوتها وسر حياتها لدينها، وعقيدتها وأن تفتح أعينها وتعود إلى أخلاقها، وقرآنها وإسلامها. لقد قال الله لنا بصراحة (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ )(البقرة: من الآية109).. ومع وضوح هذا الكيد الماحق، كم من المسلمين يهتم بما يبيته الصهاينة للأمة، ويستيقظ لدفع هذا البلاء، ويسعى لنصرة أمته.

كم من مسلم عربى لا يعرف شيئا عما يسمى - بروتوكلات حكماء صهيون - للأسف الشديد، وهى أخطر ما اكتشف حتى الآن من وثائق سرية ذات بنود تحمل كل معانى الدمار، والفساد والرذيلة، والإنحلال للعالم باسره، بكل أجناسه، وأديانه، لبناء مملكة الصهاينة، إن الصهاينة قرروا وضع خطة سرية، لاستعباد العالم وتمزيقه بأبشع وأفظع ما عرفت البشرية، وبأى وسيلة لقيام الدولة اليهودية، وبسرية تامة، يجب أن يعد المسلمون أنفسهم لصراع طويل بينهم وبين الصهيونية الباغية المعتدية والمدعومة بالقوى الغربية.. الشدائد تزيد المسلم قوة، وتجعله أصلب ما يكون عودا، وأعظم ما يكون رسوخا، وشموخا، خاصة حين تنزل به الأزمات، وتحيط به الأخطار ويشتد عليه الكرب، ويقل المساعد والنصير.. إن هذه القوى المذخورة فى المسلمين التي انفجرت يوما وكان المسلمون فى اشد حالات الضعف والتفرق والخذلان استطاعت أن تحطم الصليبيين فى حطين، وتهزم التتار فى عين جالوت، وأن تأسر لويس التاسع فى دار ابن لقمان.

البعض ينتظر العدل من الأعداء؟ حول خطاب الرئيس بوش
وأخيرا ألقى بوش خطابه، وكأن شارون هو الذى يتكلم ويتوعد ويهدد، فاللهجة غريبة، والتهديدات أغرب، تهديد للأمة العربية وتوعد للمغلوبين المعذبين فى فلسطين، واتهامهم بالعدوان والإرهاب، ولابد من رحيل عرفات، واستمر فى الهزل فوعد بإقامة دولة مؤقتة، وكأنها خيمة تقام فوق الرمال ثم تطوى عند اللزوم، فالأرض التى تقام عليها الدولة المؤقتة يمكن أن تصادر فى أى لحظة، والرجال الذين يقيمون فوقها يمكن أن يطردوا إلى أى مكان، وأعطى الكيان الصهيونى الضوء الأخضر فى الاستمرار فى العدوان، ونزع الشرعية عن عرفات، واختيار البديل، وتبنى كل التصرفات والقرارات الصهيونية والشروط الصهيونية. ونذكر ببعض الحقائق المعروفة التى ينبغى أن نستحضرها دائما حتى لا نقع فى دائرة حسن الظن بهؤلاء ومنها:

أولا: أن أمريكا قد صارت القوة المنفردة بالسطوة والنفوذ على الساحة العالمية، خاصة على ساحتنا العربية والإسلامية.

ثانيا: صار من الحقائق المعروفة ايضا للجميع أن أمريكا صار لها الموقف المنحاز المعلن ضد كل حقوق وقضايا العرب والمسلمين.

ثالثا: تقف أمريكا اليوم سافرة فى صف الديكتاتوريات وضد الشعوب، وتجاهر بمساندتها الكاملة للكيان الصهيونى الغاصب، المعتدى على الشعب الفلسطينى المسلم الأعزل، وضد حقه فى الحرية والحياة.

رابعا: يصبح من غير المنطقى أن ينتظر البعض من أمثال هؤلاء أن يقفوا موقف العدل والإنصاف، أو فهم حقوق الشعوب وعدم الانحياز. وما أشبه الليلة بالبارحة ؟ خصوم اليوم هم خصوم الأمس، وهم يقومون بنفس الدور، الذى كان يقوم به أعداء الدين على عهد نزول القرآن، وقال الحق تبارك وتعالى فيهم (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:32 -33)... ولا حول ولا قوة إلا بالله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-------
المصدر: رسالة الإخوان - العدد 52- الموجز للعدد "284 "... الجمعة 16 ربيع الثاني 1423 هـ الموافق 28 يونيو 2002 مـ