بسم الله الرحمن الرحيم

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج: 73 و74).

ضرب الله تعالى هذا المثل تبيانًا لطلاقة قدرته، وتأكيدًا لضعف الإنسان الذي تلهيه دنياه، أو تنسيه نفسه أن للكون إلهًا يدبر أموره، ويُسيّره بحكمته وقدرته، وأن هذه القدرة لا تحدُّها حدود، ولا تحول دون نفاذها حيل الخلق (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس: 82).

واليوم وقد ظن أهل الأرض أنهم قادرون عليها، فاغتروا بقوتهم، وفقدوا إيمانهم بالخالق، فتمادى الطغاة منهم في غيّهم، وازدادو علوًّا وظلمًا وفسادًا، وأعمى الكثير منهم غرور القوة، كما حدث في أمم سابقة، فجاءت هذه الرسالة تحذيرًا وتذكيرًا للجميع بهذا الوباء الذي يجتاح العالم، والناتج عن فيروس "كورونا" (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ) (المدثر: 31)، علّهم يسارعون في العودة إلى الله، والتضرع إليه سبحانه، أن يرفع عنهم هذا البلاء (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43).

إنها إذن فرصة للبشرية جمعاء لمراجعة مسارها الذي انحرف عن جادّة الصواب، بما أدى إلى انتشار المظالم والجرائم الفردية والجماعية، كما أدى إلى تفشّي الأمراض وكدر العيش، ولذا نقولها مجردة للأفراد والدول والمنظمات: نعم إن الأخذ بسلاح العلم وبكل وسائل العلاج وأحدثها، وتنفيذ كل سبل الوقاية العلمية واحتياطات السلامة واجبٌ حتميٌّ وضرورةٌ شرعيةٌ، ولكن في الوقت نفسه لا بد من أخذ العبر والدروس والمسارعة بالرجوع إلى الله، وتجديد عُرى الإيمان وتوثيقها، ومراجعة أعمالنا، والكف عن الظلم المُستشري، وذلك من من أوجب الواجبات، عسى الله سبحانه وتعالى أن يرفع هذا البلاء عن البشرية.

وإن كان من الواجب على شعوب الأرض التكاتف والتعاون لمواجهة هذا الطاعون، فإننا نذكّر أن ذلك لا يتحقق إلا في مناخ الشفافية والتعاون والمساواة والتآزر لنصرة قيم العدالة والحرية ومناصرة قضايا الشعوب المضطهدة والمظلومة.

ونداء من القلب لأبناء الأمة الإسلامية جميعًا، حكامًا ومحكومين: ليكن الجميع على قلب رجل واحد، وليكن الهدف أمام هذا الخطر الداهم إعلاء قيم العدل واحترام حقوق الإنسان، وسارعوا إلى سلوك طريق العودة إلى الله، والحرص على مرضاته وطاعته، والابتعاد عن عصيانه، والعمل بجد على تطبيق شريعته - شريعة الرحمة والعدالة - وحسن تقديم رسالة الإسلام التي جعلها الله رحمةً للعالمين.

وتعيد جماعة الإخوان المسلمين التأكيد أن أبسط المعايير الإنسانية والطبية تقتضي الإفراج الفوري عن المسجونين والمحتجزين ظلمًا في كثير من البلدان، خاصةً المرضى وكبار السن والنساء والأطفال، ومن هم قيد الاعتقال دون الحكم عليهم أو توجيه تهمة إليهم بالمخالفة للقانون، وفي مقدمتهم المسجونون الذين يتم اختطافهم من قبل الأنظمة الفاشية المتجبرة.

إن إنقاذ هؤلاء جميعًا من خطر فعلي يهدد حياتهم وحياة من يخالطهم هو باب من أبواب العدل وكف الظلم، علمًا بأن بيئة السجون باتت موطنًا خطيرًا لتفشي الأوبئة في ظل الإهمال واللامبالاة وغياب معايير الوقاية.

وإن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية مطالبة بسرعة التدخل والضغط للإفراج عنهم، وتحميل جميع السلطات المسئولية عن سلامتهم.

نسأل الله السلامة للبشرية جمعاء من هذا البلاء والوباء، كما نسأله سبحانه رفع الظلم عن المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وكف يد البطش عنهم.. إنه نعم المولى ونعم النصير.

والله أكبر ولله الحمد

الإخوان المسلمون

الإثنين ٢١ رجب ١٤٤١هجريًّا = الموافق ١٦ مارس ٢٠٢٠ ميلاديًّا