جعل الله سبحانه وتعالى الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يهزم، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر"، ولقد ذكر الله الصبر في القرآن في نحو من تسعين موضعًا، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ (السجدة:24)؛ لذا قال الإمام ابن تيمية "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين".

وقال عز من قائل: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (الزمر:10)، فوالله لو لم يكن في القرآن آية عن الصبر سوى هذه الآية لكانت كافية، فإن الذي سيعطي هو الله سبحانه وتعالى.

ولقد جمع الله للصابرين أمورًا لم يجمعها لغيرهم فقال: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 157)، وإن الابتلاء سنة ماضية، والمؤمن يعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، وأنه لا راحة له إلا في جنة الرحمن جل وعلا، قال الحق تبارك وتعالى: ﴿الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ*أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ (العنكبوت: من4:1)، وقال- صلى الله عليه وسلم-: "من يرد الله به خيرًا يصب منه".

ولذلك لابد أن تعلم يا أخي، أن طريق الجنة هو الصبر؛ ولذا قال: صلى الله عليه وسلم "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات"، والمكاره لابد لها من الصبر، والخلاصة أن البلاء سنة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل يقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة من155ـ157)، وليكن عزاؤك في كل هذا أن سيد الأولين والآخرين- صلى الله عليه وسلم- أوذي في الله إيذاءً شديدًا في الطائف وفي مكة، فتلك سنة الله في خلقه أن الإنسان كلما ازداد إيمانًا كلما اشتد عليه البلاء والابتلاء.

ولذا يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فلما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".

فما عليك، يا أخي، إلا أن تتسلَّى بأخبار الأنبياء والصالحين الذين صبروا على البلاء صبرًا عظيمًا، وما عليك إلا أن تتلمَّس حسن الجزاء المترتب على الصبر على البلاء، وذلك في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 157). وقوله- صلى الله عليه وسلم- "إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط".

فتشعر أنك بهذا البلاء أصبحت حبيبًا للرحمن، وتعلم أن الله قد أراد بك كل الخير بهذا البلاء، وتوقن بأن الله قد أجزل لك العطاء في قوله: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (البقرة: 157).
---------
بتصرف من كتاب "المستخلص في تزكية الأنفس"