لا تزال ميادين الحرية والثورة تترحم على رئيس مصر الأبي الحر الكريم الشهيد الدكتور محمد مرسي.

"... أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً، لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبدًا على رأي الفسدة، ولا يُعطون الدنيَّة أبدًا من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم".. كلمات خالدة اختتم بها رئيس جمهورية مصر العربية الأستاذ الدكتور مرسي خطابه الأخير والشهير الذي سبق الانقلاب العسكري الغاشم على شرعية الثورة وإرادة المصريين في 2013.

وزاد الابتلاء على الرئيس محمد مرسي بما ترصد له الظالمون الطغاة من فُجور وانتقام، ظلّّ نحو 6 سنوات، حتى استُشهد وهو صامد في سجون عسكر الانقلاب العسكري خلال محاكمة هزلية قادها السفاح عبدالفتاح السيسي وقاضيه القاتل محمد شيرين فهمي؛ لتصعد روحه طاهرة صامدة إلى ربها في 17 يونيو 2019، ليظل الرئيس الشهيد بطلاً سيخلد ذكراه مع الصابرين الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لأن تكون مصر لكل المصريين.

يبدأ عام جديد بدون الرئيس الشهيد الشهيد محمد مرسي، ولكن سيرته العطرة وجهاده سيظلان يتوارثهما الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وسيأتي اليوم الذي سترد فيه كرامة الرئيس الشهيد من العصابة التي ارتكبت بحقه وبحق كل المصريين أبشع الجرائم على مدار 6 سنوات مضت.

والرئيس الشهيد محمد مرسي، ابن قرية العدوة بمركز ههيا في محافظة الشرقية، والذي عاش فيها طفولته وشبابه، وعين مدرسا بكلية الهندسة جامعة الزقازيق، والتي شهدت نضاله وجهاده في وجه كل المستبدين من السادات ومبارك والمجلس العسكري وانتهاءً بالقاتل عبد الفتاح السيسي.

نشأته

ولد الرئيس الشهيد محمد مرسي في 20 أغسطس 1951 في قرية العدوة، من عائلة مصرية بسيطة لأب فلاح وأم ربة بيت وهو الابن الأكبر لهما وله أختان وثلاثة إخوة.

التحق خلال مرحلة التعليم الأساسي في مدارس محافظة الشرقية، فانتقل للقاهرة للدراسة الجامعية وعمل معيدًا ثم خدم بالجيش المصري (1975 - 1976) كجندي بسلاح الحرب الكيماوية، وتزوج في 30 نوفمبر 1978 ورزق بـ4 أبناء وبنت واحدة.

في عام 1975 حصل على بكالوريوس الهندسة بجامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وفي عام 1978 حصل على الماجستير في هندسة الفلزات بجامعة القاهرة، كما حصل على منحة دراسية من جامعة جنوب كاليفورنيا لتفوقه الدراسي، وعلى ماجستير ودكتوراه في الهندسة من جامعة جنوب كاليفورنيا 1982 في حماية محركات مركبات الفضاء.

وعمل معيدًا ومدرسًا مساعدًا بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، ومدرسًا مساعدًا بجامعة جنوب كاليفورنيا وأستاذًا مساعدًا في جامعة كاليفورنيا، نورث ردج في الولايات المتحدة بين عامي 1982 - 1985، كما عمل في منصب أستاذ ورئيس قسم هندسة المواد بكلية الهندسة في جامعة الزقازيق منذ عام  1985 وحتى عام 2010.

أصدر عشرات البحوث في "معالجة أسطح المعادن"، وانتخب عضوًا بنادي هيئة التدريس بجامعة الزقازيق.

انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين 

اختير محمد مرسي عضوًا بـ"لجنة مقاومة الصهيونية" بمحافظة الشرقية، كما اختير عضوًا بالمؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، وهو عضو مؤسس باللجنة المصرية لـ"مقاومة المشروع الصهيوني".

وانتمى للإخوان المسلمين فكرًا عام 1977 وتنظيميًّا أواخر عام 1979 وعمل عضوًا بالقسم السياسي بجماعة الإخوان المسلمين منذ نشأته عام 1992.

وترشح لانتخابات مجلس الشعب عام 1995، وانتخابات 2000 ونجح فيها وانتخب عضوًا بمجلس الشعب المصري عن جماعة الإخوان وشغل موقع المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للإخوان.

وفي انتخابات مجلس الشعب عام 2005 حصل على أعلى الأصوات وبفارق كبير عن أقرب منافسيه، ولكن تم إجراء جولة إعادة أعلن بعدها فوز منافسه. كان من أنشط أعضاء مجلس الشعب وصاحب أشهر استجواب في مجلس الشعب عن حادثة قطار الصعيد وأدان الحكومة وخرجت الصحف الحكومية في اليوم التالي تشيد باستجوابه.

وشارك محمد مرسي في تأسيس "الجبهة الوطنية للتغيير" مع عزيز صدقي عام 2004، كما شارك في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير مع محمد البرادعي عام 2010، كما شارك في تأسيس التحالف الديمقراطي من أجل مصر والذي ضم 40 حزبا وتيارا سياسيا عام 2011.

اعتقل مرسي مرات عدة، إذ قضى 7 أشهر في السجن بعد أن اعتقل صباح يوم 18 مايو 2006 من أمام محكمة شمال القاهرة ومجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة، أثناء مشاركته في مظاهرات شعبية تندد بإحالة اثنين من القضاة إلى لجنة الصلاحية؛ بسبب موقفهما من تزوير انتخابات مجلس الشعب 2005 وأفرج عنه يوم 10 ديسمبر 2006.

كما اعتقل في سجن وادي النطرون صباح يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011 أثناء ثورة 25 يناير مع 34 من قيادات الإخوان على مستوى المحافظات لمنعهم من المشاركة في جمعة الغضب وقام الأهالي بتحريرهم يوم 30 يناير بعدما ترك رجال الأمن السجون خلال الثورة.

 أول رئيس منتخب

وفي 30 أبريل 2011 انتخبه مجلس شورى الإخوان رئيسًا لـ"حزب الحرية والعدالة" الذي أسسته الجماعة بجانب انتخاب عصام العريان نائبا له ومحمد سعد الكتاتني أمينا عاما للحزب.

بعد أن دفع حزب الحرية والعدالة بالاتفاق مع "جماعة الإخوان" بالمهندس خيرت الشاطر مرشحا لانتخابات الرئاسة المصرية 2012، قرر الحزب في 7 أبريل 2012 الدفع بمرسي مرشحا احتياطيا للشاطر كإجراء احترازي خوفا من احتمالية وجود معوقات قانونية تمنع ترشح الشاطر.

وقررت لجنة الانتخابات الرئاسية بالفعل استبعاد الشاطر وتسعة مرشحين آخرين في 17 أبريل، ومن ثم قررت جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي المتمثل في حزب الحرية والعدالة، الدفع بالدكتور محمد مرسي، الذي قبلت اللجنة أوراقه، مرشحا للجماعة.

في 30 يونيو 2012 تولى الدكتور محمد مرسي منصب رئيس جمهورية مصر العربية بصفة رسمية، وقام بأداء اليمين الجمهوري أمام المحكمة الدستورية العليا بالقاهرة في حضور القضاة.

ثم توجه إلى جامعة القاهرة في موكب رئاسة الجمهورية ليلتقي بقيادات الدولة والشخصيات العامة وسفراء الدول وغيرهم في مراسم رسمية، وإلقاء خطابه احتفالا بهذه المناسبة.

غزة في قلب الرئيس الشهيد

الدفاع عن قضايا الأمة والمستضعفين ودعم الثورات كان في قلب الرئيس محمد مرسي، وقال الرئيس الشهيد محمد مرسي حين وقع العدوان على غزة (2012): "لن نترك غزة وحدها، إن مصر اليوم مختلفة تماما عن مصر الأمس، ونقول للمعتدي إن هذه الدماء ستكون لعنة عليكم وستكون محركا لكل شعوب المنطقة ضدكم، أوقفوا هذه المهزلة فورا وإلا فغضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها، غضبة شعب وقيادة".

كما اتخذ موقفا عمليا لإظهار التضامن المصري مع الفلسطينيين في قطاع غزة حينما أرسل رئيس الوزراء السابق هشام قنديل على رأس وفد مصري رسمي وشعبي لتقديم كل العون الممكن لأهالي القطاع، وهو الموقف الذي حفّز دولا كثيرة، عربية وإسلامية، على أن تحذو حذو مصر، فتواصل وصول الوفود الرسمية والشعبية إلى غزة لإظهار الدعم والتأييد.

وأمر الرئيس مرسي بفتح المعابر بين مصر وغزة بشكل دائم لاستقبال المصابين الفلسطينيين لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية ومعاملتهم كالمصريين.

ولم تكتف مصر بذلك بل قادت حراكا دبلوماسيا وسياسيا نجح في النهاية في وقف العدوان على غزة بعد أيام من اندلاعه وفق معاهدة للهدنة برعاية مصرية، وهو ما أكد استعادة مصر دورها المحوري في المنطقة.

وحتى بعد الانقلاب على الرئيس واعتقاله، هتف من خلف قضبان قفص المحكمة "لبيك يا غزة.. لبيك يا غزة"، وذلك خلال العدوان على غزة قبل بدء جلسة محاكمته في قضية اقتحام السجون والهروب من سجن وادي النطرون.

الانقلاب عليه في 2013 

كعادة العسكر قاموا بالانقلاب على التجربة الديمقراطية في 3 يوليو 2013، واتخذوا عدة إجراءات أخرى، وفي يوم 28 يونيو 2013 خرج الملايين في ميدان رابعة العدوية مطالبين بعودته رئيسا للبلاد واستمرت المظاهرات لمدة (48) يوما،

ووجهت للرئيس الشهيد محمد مرسي أحكامًا لا قيمة لها منذ الانقلاب العسكري عليه، منها التخابر مع جهات أجنبية "قطر وحماس"، وقضية الفرار من السجن إبان ثورة 2011، بالإضافة إلى إهانة القضاءـ حتى استشهد في 2019

استشهاده في سجون الظالمين

في 17 يونيو 2019 وأثناء محاكمته الهزلية ارتقى الرئيس مرسي في حال لم تفسر حتى الآن إلا بتعمد قتله من قبل داخلية الانقلاب؛ حيث فاضت روحه إلى الله، ليتصدر اسمه العالم في أقل من ساعتين، ومع رفض الظالمين حضور صلاة الجنازة له في القاهرة، صلى عليه المسلمون صلاة الغائب في جميع دول العالم من مشرقها إلى مغربها.

وصلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صلاة الغائب على الرئيس الشهيد من مسجد الفاتح في صلاة مهيبة شهدت حضور الآلاف من العرب والأتراك، كما نعاه قادة وأحزاب وحركات الدول العريية والإسلامية، وفي المسجد الأقصى الذي كان دائما يقول: "قلوبنا جميع تتوق إلى بيت المقدس" صلى عليه المئات صلاة الغائب، ولسان حال المصريين في كل مكان يتحدثون: "طبت حيا وميتا سيدي الرئيس".