بعد حادثة مقتل 9 مهاجرين، بينهم 5 أتراك، بمدينة هاناو الألمانية (جنوب)، تحولت الأنظار مجددًا إلى الجرائم التي ارتكبتها جماعات عنصرية في هذا البلد الأوروبي.

وتسببت الهجمات التي شنَّها إرهابيون عنصريون ضد المهاجرين والأجانب والمفكرين بمقتل مئات الأشخاص حتى الآن في ألمانيا.

ويقول خبراء: إن عدد القتلى الحقيقي منذ عام 1949-1990 كان أعلى بكثير مما يجري الحديث عنه؛ بسبب عدم التزام الوكالات الرسمية والصحافة بتسجيل وتوثيق ضحايا اليمين المتطرف.

في بيان أصدرته العام الماضي مؤسسة "أماديو أنطونيو"، والتي تشتهر بعملها في مجال مكافحة اليمين المتطرف، ذكرت أنه تم التحقق من أكثر من 3 آلاف و300 حدث وقع في تواريخ مختلفة في الماضي، وأن التحقيقات أظهرت أن 745 من هذه الأحداث وقعت بدوافع عنصرية.

ومع ذلك، ونظرًا لعدم إثبات ذلك تمامًا لا يمكن اعتماد هذه الأرقام ضمن البيانات الرسمية.

ورصدت وكالة الأناضول بعض الأمثلة من مصادر مختلفة، جاءت كاتالي:

كوارث "مولن" و"هامبورغ"

وبينما أصيب العديد من الأشخاص في هجمات استهدفت مساكن اللاجئين في مدينتي هويرزوردا عام 1991، وروستوك عام 1992، توفيت الطفلة ييليز أرسلان (10 أعوام)، والطفلة عائشة يلماز (14 عامًا)، وباهدة أرسلان (51 عامًا) في منزلهم حرقًا، نتيجة قيام متطرفين بإحراق المنزل الواقع بمدينة هامبورغ، في 23 نوفمبر 1992.

وفي إطار هذا الحادث، أطلقت الشرطة الألمانية سراح اثنين من أعضاء تنظيم "النازيون الجدد"، الذين نفذوا عملية حرق المنزل في هامبورغ بعد 15 سنة في السجن.

أما كارثة مولن، فتعتبر أول عملية حرق وقعت في ألمانيا بدوافع عنصرية. حيث قامت مجموعة من اليمينيين المتطرفين في 29 مايو 1993، بتطويق منزل لعائلة مهاجرة في مدينة سولينغن، بمقاطعة شمال الراين وستفاليا.

وعمدت المجموعة اليمينية المتطرفة إلى حرق منزل العائلة المهاجرة بدوافع عنصرية، ما أدلى إلى مقتل غورسون إينجه (28 عامًا)، وخديجة كنج (19 عامًا)، وغولستان أوزتورك (12 عامًا)، وخوليا كنج (9 عامًا)، وصائمة كنج (5 أعوام).

وأُطلق سراح الجناة الذين تم القبض عليهم بعد الحادثة، وذلك بعد مواجهة مرتكبيها وهم ماركوس غارتمان، وفيلكس كوهين، وكريستيان ريهر، وكريستيان بوخهولز، أحكامًا متعددة بالسجن.

العنصرية لم تستثنِ الأطفال

وفي الهجوم الذي استهدف سكنًا للاجئين بمدينة لوبيك في 18 يناير 1996، قتل 10 أشخاص من أصول إفريقية، 7 منهم من الأطفال.

ولم يتم وقتئذ تسليط الضوء على هذا الهجوم، كما لم يتم القبض على مرتكبيه حتى اليوم.

وفي 13 فبراير 1999، هاجم يمينيون متطرفون 3 أجانب في مدينة براندنبورغ، ونتيجة للهجوم، قتل اللاجئ الجزائري فريد جندول، فيما جرى إدانة 8 يمينيين متطرفين بارتكاب الهجوم.

وفي 7 أكتوبر 2003، قام توماس أدولف، المرتبط بمنظمات إرهابية عنصرية، بإطلاق النار على هارتمونت نيكل، وميشتيلد بوكستيج وأليا نيكل في مدينة أوفرات الألمانية؛ ما دفع القضاء الألماني بالحكم على أدولف بالسجن مدى الحياة.

جريمة في قاعة المحكمة

وفي 1 يوليو 2009، تعرضت المواطنة المصرية مروة الشربيني لعملية طعن في قاعة محكمة دريسدن، من قبل مهاجر روسي ألماني عنصري.

وجاء الهجوم على خلفية ارتداء المواطنة المصرية للحجاب، وحكم على المهاجم، الذي قتل الشربيني بست عشرة طعنة سكين، بالسجن مدى الحياة.

"النازيون الجدد"

وظهرت أولى الدلائل على وجود منظمة إرهابية قومية يمينية متطرفة عرفت باسم "النازيون الجدد" في مدينة تورينغن الألمانية في نوفمبر 2011، وبدأ مكتب المدعي العام الفيدرالي بإجراء تحقيق خاص للكشف عن توجهات هذه المنظمة.

وفي 11 يوليو 2018، حمل القضاء الألماني منظمة "النازيون الجدد" الإرهابية، مسئولية مقتل 10 أشخاص، 8 منهم أتراك، في هجمات مسلحة وقعت بمدن ألمانية مختلفة.

وفي هذا الإطار، حكم القضاء الألماني على بعض المدانين بالانتماء للمنظمة الإرهابية والضلوع في تلك الهجمات بالسجن مدى الحياة، فيما حكم على بعض العناصر التي ساعدت أعضاء المنظمة بالسجن من عامين ونصف إلى عشر سنوات.

هجمات ضد سياسيين

السياسية الألمانية هنرييت ريكر، المعروفة بدعمها للأجانب واللاجئين، تعرضت لهجوم من قبل يميني متطرف يدعى فرانك إس (45 عامًا) قبل يوم واحد من الانتخابات البلدية في مدينة كولونيا، بتاريخ 22 أكتوبر 2015.

وتم اعتقال المهاجم عقب حادثة الاعتداء فيما فازت ريكر في الانتخابات بحصولها على 52٪ من الأصوات.

وفي 2 يونيو 2019، قُتل حاكم ولاية هيسن، لوبك فولفهاغن، الذي اشتهر بمساعدة اللاجئين، بهجوم مسلح أمام منزله في مدينة ولفهاجن، على يد الإرهابي اليميني المتطرف ستيفان إرنست.

وذُكرت الصحافة الألمانية أن إرنست، الذي ألقي القبض عليه بعد 3 أسابيع من الحادث، كان على صلة بمنظمات إرهابية عنصرية هي "النازيون الجدد".

كما أكد المسئولون الألمان أن الهدف الرئيسي للمهاجم كان "قتل الأجانب".

هجوم هاناو

وعقب سلسلة من الهجمات التي استهدفت الأجانب ومجموعة من المساجد في ألمانيا، جاء الهجوم المسلح المزدوج في هاناو، والذي وقع في 19 فبراير الجاري، وأسفر عن مقتل 9 بينهم 5 أتراك، وإصابة 6 بجروح، ليكشف أزمة تفشي العنصرية التي تشهدها ألمانيا.

وأعلن الإدعاء الألماني، أن "كراهية الأجانب" الدافع وراء الهجوم المسلح المزدوج على مقهيين للشيشة (الأرجيلة)، في مدينة هاناو (غرب).

وقال إنّه سيتم التعامل والتحقيق في الهجوم على أنه "عمل إرهابي"، حسبما نقلت إذاعة "دويتشه فيله" الألمانية (رسمية).

وأضاف: "النيابة المختصة في مكافحة الإرهاب تولت التحقيق في الهجوم، ويُشتبه بأن يكون دافع المهاجم هو كراهية الأجانب".

كما أشار إلى أن للمنفذ "ميول يمينية متطرفة".

من جهتها، أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أن الكثير من الدلائل المرتبطة بالهجوم "تشير إلى أنه كان بدافع العنصرية".

وقالت ميركل، في تصريحات نقلتها وكالة "أسوشيتيد برس"، إنّ "العنصرية كالسم والهجوم في هاناو له صلة باليمين المتطرف".

كما شددت على أن الحكومة الألمانية ستبذل "قصارى جهودها" للتصدى لأولئك الذين يحاولون تقسيم البلاد، لافتة أن برلين "لا تفرق بين المواطنين بناء على العرق والدين"، حسب المصدر ذاته.

بدوره، قال وزير الداخلية في ولاية هيس الألمانية، بيتر بوث، إن تحليل محتوى موقع إلكتروني خاص بالجاني "يظهر وجود دوافع كراهية للأجانب".

وأضاف أن الجاني "لا يبدو معروفا للشرطة أو وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية".

وفي 20 فبراير الجاري، دعا المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، السلطات الألمانية لبذل جهود قصوى لتوضيح كافة حيثيات هجوم مدينة "هاناو".

وأضاف قالن، في تغريدة نشرها عبر موقع "تويتر": "العنصرية كالسرطان المتفشي وننتظر من السلطات الألمانية بذل جهود قصوى لتوضيح كافة حيثيات الحادث".