رحل عن دنيانا العالم الجليل الشيخ محمد عبد الملك الحلوجي، أحد قادة الإخوان الأوفياء الذي كرَّس حياته للدعوة إلى الله، وحمل مشعلها مع إخوانه إلى بلاد عديدة من العالم، عن عمر يناهز 62 عامًا بمدينة إسنطبول أمس السبت بعد رحلة قصيرة مع المرض.

ويتميز العالم الجليل بملامح ربانية عالية، لا نزكيه والله حسيبه، خاصة في الرقائق والدعاء والمناجاة، وحسن الصلة بالله تعالى، وكثيرًا ما كان يطلب منه تلاميذه الدعاء عند السفر أو عندما تنزل بهم إحدى الملمات، فكان موفقَا في اختيار الأدعية المفيدة في الأحوال المختلفة, فقد كان رحمه الله بينه وبين الدعاء حال مع الله.

سافر العالم الجليل إلى عدة بلاد، منها اليمن وباكستان وكذلك السودان، الذي حصل منها على الدكتوراه، من إحدى جامعاتها الدينية، وصار إمامًا لأحد مساجد العاصمة الخرطوم، وتنقّل في عدد من البلاد الإسلامية والعربية والأوروبية.

التصدي للشيوعيين في اليمن

فبعد سفره إلى اليمن، عمل هناك معلمًا في المعاهد العلمية، بـ"لواء إب" بمحافظة "إب"، وكانت مستهدفة من قبل الشيوعيين، فكان له دور كبير في نشر العلم النافع بين الناس هناك، مع إخوانه، وكانت لهم جهود مباركة، في مقاومة الفكر الشيوعي، ففتح الله عليه بمنّه وكرمه وفضله، حتى إن كثيرًا من قيادات الشيوعيين في المنطقة، أقلعوا عن الفكر الشيوعي، وانتظموا في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، ودافعوا عن محافظة "إب".

وكان العالم الجليل في معظم جلساته وسط تلاميذه يحكي، أنه تأثر كثيرًا بالأستاذ "محمد عمارة" من قيادات الإخوان في محافظة المنوفية، وكان قد سبق الأخ الحلوجي إلى اليمن، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، في محافظة إب، وقد تأثر به كثيرًا في زهده وورعه وعطائه وحركته الدائبة، رغم كبر سنه، ولكن تأثره الأكبر به كان في الجوانب التربوية والروحية، التي تميز بها الأستاذ محمد عمارة وكذلك الأستاذ الحلوجي رحمهما الله تعالى.

وعندما سافر إلى باكستان، تميز في عمله في ضمن هيئات الإغاثة العاملة في باكستان، لمساعدة المهاجرين الأفغان، خلال الجهاد الأفغاني، وكان له دور فعال بين المهاجرين الأفغان في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم.

أهل الكرم والضيافة بالسودان

وعندما غادر باكستان إلى السودان، وبدأ هناك عملاً تجاريًّا متواضعًا في البداية، وكان سرعان ما فتح الله عليه، وأسس مع بعض الشركاء مصنعًا للحبال كان من أكبر مصانع السودان في هذا المجال.

وجعل العالم الجليل "محمد الحلوجي" بيته قبلة للضيوف والزائرين، فكان دائمًا يعج بالضيوف ليل نهار، ليس من المصريين فقط، بل من السودانيين وغيرهم من أحبابه، وكان العالم الجليل وأهله وأولاده جميعًا في خدمة الضيوف بلا كلل ولا ملل، ولا تجد إلا الترحيب والبشاشة، وكرم الضيافة، والمزاح الراقي الصادق والدعابات الهادفة.

تعليم الأدعية

كان تلاميذه يستبشرون به كثيرًا ويتعلمون منه الأدعية، خاصة هذا الدعاء العظيم، لما فيه من النفع والفائدة، والدعاء هو: "الله أكبر، الله أعز من خلقه جميعًا، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الذي لا إله إلا هو، الممسك السماوات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه، من شر عبدك فلان، وجنوده وأتباعه وأشياعه، من الجن والإنس، اللهم كن لي جارًا من شرهم، جلّ ثناؤك وعزّ جارك، وتبارك اسمك، ولا إله غيرك" (ثلاث مرات).

وكان رحمه الله عندما يذكّر تلاميذه بهذا الدعاء، ومصدره، ويذكرهم بقول "ابن القيم" عنه: والله إنه مجرَّب والله إنه مجرب والله إنه مجرب.

دوره الدعوي

جاب العالم الجليل الكثير من البلدان، داعيًا ومعلمًا ومحاضرًا، وكان حركة دائبة في الدعوة إلى الله تعالى، وقد منحه الله همّة عالية، حتى وهو يعاني من بعض الأمراض، لم يتوقف عن العمل والتنقل.

وكثيرًا ما نفع الله به من أحاديث شيقة، ومواقف تربوية ودعوية، عن المرشدين، رحمهم الله جميعًا، منذ الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا، وحتى المرشد الحالي الأستاذ الدكتور محمد بديع، وغيرهم من أمثال الأستاذ محمد عمارة، والدكتور محمد عبد المعطي الجزار، وغيرهم.

وكان عندما يختلف في بعض الأمور تجده لا يحمل في نفسه شيئًا، ولا يلتقي أحدَا إلا بابتسامته المعهودة، فهو لم يخرج يومًا غير مبتسم أو مهمومًا أو غاضبًا من شيء، رغم ما كان يعانيه بسبب مشكلات العمل ومسئولياته وأموره الحياتية.

لكن أهم ما ميز العالم الجليل هي الربانية العالية، وحبه وخدمته لإخوانه، وحرصه على مصالحهم وقضاء حوائجهم، والتوكل على الله، والتواضع والسخاء والكرم.

فالعالم الجليل - يرحمه الله - كان نموذجًا للأخ الصادق، الذي عاش لدعوته، وعاش بها، وظل ثابتًا على مبادئها، إلى أن لقي ربه غريبًا مهاجرًا.

نعي واجب

وأثار خبر وفاته حزن الكثيرين في مصر والعالم العربي الذين قدموا التعازي لأسرة والأمه في وفاته.. فنعاه الدكتور حمزة زوبع: الأستاذ #محمد_الحلوجي..
إنا لله وإنا إليه راجعون والبقاء لله وحده.. عرفته قبل عقد ونصف أو يزيد من الزمان.. جمعني به لقاء في فن الذكر والدعاء لا زلت أذكر وجهه الخجول المتواضع ولسانه الطلق العذب الملازم لذكر الله.. كنا إذا التقينا يقول لي: اكتب هذا الدعاء فهو حصن لك من كذا.. ردد ذاك الدعاء فهو وقاية لك من كذا وكذا.. حين علم بالعارض الصحي الذي تعرضت له قبل فترة أرسل إليَّ تسجيلاً يحتوي بعض الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.. كان له حال مع الدعاء وتعلم منه الدعاة الكثير في هذا المجال.. بل ما يزيد عن عقد من الزمان كتبت عنه مقالاً دون أن أذكر اسمه تصريحا لصحيفة "المصريون" لا تسعفني الذاكرة بعنوانه الآن، وكان ذلك بعد لقائي به أول مرة، وحين التقينا بعدها ابتسم وجهه البريء وأدرك كم أحببت فيه هذا الحال.. فاللهم اجزه عنا خير الجزاء، واغفر وله وارحمه رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى.. رحمة الله عليك يا أخي الأستاذ محمد عبد الملك الحلوجي".

كما نعاه الشيخ "وليد الطبطبائي: "انتقل إلى رحمة ﷲ تعالى المربي الفاضل الشيخ محمد عبد الملك الحلوجي الذي وافته المنية مساء أمس بأحد مستشفيات إسطنبول، صابرًا محتسبًا مهاجرًا عاملاً عابدًا..".

وكتب الدكتور أشرف دوابة: "رحم الله المهاجر الأخ الأكبر الحاج محمد الحلوجي صاحب البصمات الطيبة في العمل لله.. اللهم إنك تعلم أنه كان يذكّرنا بذكرك فتقبله في عليين.. وإنا لله وإنا إليه راجعون".

ونعاه الدكتور أسامة جادو: "إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرنا في مصابنا توفي إلى رحمة الله تعالى الأستاذ الكريم الداعية المربي.. الشيخ محمد عبد الملك الحلوجي علم من أعلام الدعوة والتربية ورمز من رموز الأزهر الشريف. حسبنا الله ونعم الوكيل".

وغرد أحمد البقري:" إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون.. رحم الله صاحب الوجه البشوش، المحب لكل من حوله، عرفته أستاذًا ومربيًا وأخًا وصديقًا.. رحمك الله أستاذنا الحبيب الحاج #محمد_الحلوجي وتقبل جهادك في سبيله، وجعل مرضك في ميزان حسناتك.. البقاء لله".

وأضاف الإعلامي محمد جمال هلال: "رحم الله الرجل الشهم الكريم الخلوق الفاضل الحاج محمد عبدالملك الحلوجي الذى فتح بيته للمهاجرين وقدم نفسه وماله لله.. وإنا لله وإنا إليه راجعون".

ونعته الدكتورة عزة الجرف، زوجة الكاتب الصحفي المعتقل بدر محمد بدر: "نحتسب عند الله الأخ الأستاذ محمد الحلوجي، مات غريبًا مهاجرًا في سبيل الله، غفر الله له ووسع مدخله وأكرم نزله وتقبله في الصالحين، رحمك الله أخي وتقبل جهادك وإنا لله وإنا إليه راجعون".