بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، ورضي الله عن الإمام الشهيد وأرضاه في الجنة.

كلما قرأت القرآن وتدبرت آياته تذكرت الآية الكريمة التي كانت إيذانًا بانتهاء الرسالة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)، تذكرت هذه الآية؛ لأنها خبر من الله تعالى بأنه أتم علينا النعمة بالإسلام، وذكرني بها أني أجدني مغمورًا بهذه النعمة في كل آية.

ووجدت أنه ما من خير إلا أمر الله به، وما من شر إلا نهى الله عنه، وجعل ضمائر العباد قوامة في ذلك على أنفسهم..

وقد صاغ القرآن هذه المعاني العالية صوغًا إلهيًا لا يمكن أن يفلت منه ضمير إنسان وجعل الله آياته ركائز الحياة الصادقة في أرضه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ)، ووضع من الأنظمة والتوجيهات ما لا يزال غضًا طريًا كأنه نزل الآن (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)، وضمن للمسلمين الخير كله إن هم أجابوا داعي الله (وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا).

ولكن المسلمين أدركتهم غمرة من دنياهم فنسوا ما ذكروا به، وقطعتهم الأهواء عن مشرق النور، فاستبدلوا بالكتاب المنزل ما لم ينزل به الله سلطانًا..، فكان ما نرى من هوانهم في كل قضية والمصائب النازلة بهم في كل مكان..

وهم في ذلك يلقون جزاءً حتمًا سبق به نذير الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا)، ولكن الأمل في الله كبير.

وأنتم أيها الإخوان المسلمون أقباس هذا الأمل، فأنتم أولى الناس بتدبر القرآن والتخلق بأخلاقه، وأنتم المسئولون أن تجعلوا معانيه العالمية مُثُلاً حيةً تمشي على الأرض وصورًا كريمة يراها الناس في أخلاقكم قبل كلامكم واذكروا في ذلك كلمة السيدة عائشة رضي الله عنها عن الداعية الأول صلى الله عليه وسلم "كان خلقه القرآن".

والله الموفق والمستعان.

والله أكبر ولله الحمد

------------

المصدر: مجلة الدعوة – العدد (37) – 28محرم 1371هـ / 30 أكتوبر 1951م.