تصاعدت أزمة سد النهضة بسبب فشل نظام العسكر في التفاوض مع إثيوبيا وإعلانه أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وحذر خبراء من مجاعة تجتاح مصر بسبب احتجاز إثيوبيا مياه النيل؛ ما يؤدي إلى بوار الأراضي الزراعية وتشريد الفلاحين وتوقف الإنتاج الزراعي وارتفاع الأسعار بصورة جنونية؛ ما يحول دون حصول نحو 90% من المصريين على احتياجاتهم الضرورية.

كان عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب الدموي قد كشف عن شروع حكومته في تنفيذ خطة تستهدف قطع مياه النيل عن 10 محافظات في الساحل الشمالي والبحر الأحمر، والاعتماد في هذه المناطق على تحلية مياه البحر، بذريعة مواجهة العجز المائي الذي تواجهه البلاد، عقب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وزعم السيسي - خلال فعاليات ندوة تثقيفية نظمها الجيش مؤخرا - الانتهاء من هذه الخطة، بعد تخصيص نحو 200 مليار جنيه كلفة محطات المعالجة والتحلية، متوقعًا أن تصل كلفة المشروع بأكمله إلى 300 مليار جنيه عند الانتهاء منه العام المقبل.

يشار إلى أن حديث السيسي تزامن مع الإعلان عن تفاوض تحالف مصري مَجَري تمثله شركة "طرور" لإدارة الأعمال مع شركة "مينوما" الإسبانية مع جهات مصرية، لإقامة 6 محطات تحلية مياه بقيمة 780 مليون دولار فى مدة زمنية من 3 إلى 5 سنوات.

وكشف الخبراء عن أن حكومة الانقلاب بصدد تنفيذ اقتراح بيع مياه النيل، محذرين من أن ذلك سيتبعه ارتفاع غير مسبوق في أسعار المحاصيل الزراعية؛ ما يهدد يثورة جياع في مصر.

وقالوا: إن اتجاه حكومة الانقلاب إلى "تحليه المياه" مكلف جدًّا، ولن يستطيع سد العجز في الاحتياجات المائية، مؤكدين أن مصر دخلت بالفعل مرحلة "الفقر المائي"، بعد تناقص نصيب الفرد من المياه إلى 600 متر مكعب سنويًّا بدلاً من ألف متر مكعب وفقًا للمعايير الدولية.

كارثة العسكر

من جانبه كشف مصدر مسئول في وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب عن كارثة جديدة ضمن كوارث العسكر، مؤكدًا أن حكومة الانقلاب تدرس اقتراحًا بشأن بيع مياه الري للمزارعين خلال الفترة المقبلة، بالتزامن مع التوسع في إنشاء محطات معالجة الصرف الصحي والصناعي، وتحلية مياه البحر، على ضوء فشل مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، وانخفاض حصة مصر من مياه النيل مع بدء تشغيل السد رسميًّا العام المقبل.

وقال المصدر - الذي رفض ذكر اسمه - إن تشغيل السد الإثيوبي سيحجب حصة كبيرة من مياه النيل عن مصر؛ ما يعني بوار مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، مشيرًا إلى أن وزارتي الزراعة والموارد المائية والري بحكومة الانقلاب تدرسان حاليًّا مقترحًا ببيع المياه للمزارعين، وذلك بتعليمات من رئيس حكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، وقائد الانقلاب الدموي عبدالفتاح السيسي.

وأضاف أنه لم يتم الانتهاء من الاقتراح في صورته النهائية؛ إذ توجد نقاط ما زالت تحت البحث، مثل آلية بيع المياه في الوقت الراهن، وما إذا كانت بحسب مساحة الأرض أم من خلال إبلاغ الجمعيات الزراعية في القرى بحيازة كل مزارع، ومن ثم حساب المبلغ بصورة تقديرية بشكل شهري ارتباطًا بعدد مرات سقي الأرض، أو بقياس فترة موسم زراعة المحصول.

وتابع المصدر أن فشل مفاوضات سد النهضة ووصولها إلى "طريق مسدود"، مثل حالة من القلق لدى حكومة الانقلاب، لإعادة الحسابات في الكثير من المشروعات الجارية في البلاد، متوقعًا حدوث فجوة بين الاحتياجات الفعلية للمواطنين وكميات المياه، وسط مزاعم حكومة الانقلاب أنها تسعى لتجاوز الأزمة بإعادة استخدام مياه الصرف، والاعتماد على المياه الجوفية.

وأكد أن عددًا من المزارعين في المحافظات لجؤوا بالفعل إلى الطلمبات الارتوازية رغم كلفتها المرتفعة التي تصل إلى نحو مائة ألف جنيه، لتعويض نقص مياه الري وعدم وصولها إلى نهايات الترع والمصارف في مختلف المحافظات؛ ليستعيض الفلاح بالمياه الجوفية في الزراعة عوضًا عنها.

وأوضح أن هناك تخوفًا كبيرًا من المزارعين على مستقبل "الطلمبات الارتوازية عقب صدور قانون الري المرتقب، وإقراره خلال دور الانعقاد الأخير لمجلس نواب الدم؛ كونه يفرض المزيد من الإجراءات القانونية على المزارعين، وعلى جميع مصادر المياه، في الوقت الذي يستهلك فيه قطاع الزراعة نحو 85 في المائة من الموارد المائية.

أسعار المياه

وحول خطة السيسي المائية قال د. عمر الحداد، الباحث في الهندسة البيئية ومعالجة المياه: إن السيسي يريد أن يصنع مصدر دخل إضافيًّا للجيش عبر مشروعات تحلية المياه، مشيرًا إلى أن نظام الانقلاب يحاول الاستفادة من الأزمة لتحقيق مكاسب مالية.

وأكد الحداد - في تصريحات صحفية - أن السيسي لجأ لهذا الخيار لأنه بالفعل استسلم لإثيوبيا، وأصبح غير قادر على عمل شيء بمواجهتها، موضحًا أن السيسي أعلن في هذا الصدد عن خطته لقطع المياه عن 10 محافظات: 7 منها بالساحل الشمالي هي (شمال سيناء، وبورسعيد، ودمياط، وكفر الشيخ، والبحيرة، والإسكندرية، ومرسى مطروح)، و3 محافظات تطل على البحر الأحمر (جنوب سيناء، والسويس، والبحر الأحمر).

وأشار إلى أن هذا الخيار يكلف البلاد كثيرًا من الأموال ويضعها أمام طائلة ديون جديدة، موضحًا أن خطورة هذا الخيار هو أن "المتر المكعب الواحد من المياه سيصل ثمنه إلى 11 جنيهًا، وأن المواطن سيدفع قيمتها، حسب نظرية السيسي الخائن.

وتوقع الحداد ارتفاع أسعار المياه ارتفاعًا جنونيًّا على خلفية تلك الأزمة"، معتبرًا أنها المشكلة الأكبر التي ستواجه المصريين.

وحول البدائل العملية، أكد أن وسائل الري الحديث ستحل جزءًا واحدًا من المشكلة، بينما الأزمة متشعبة ومعقدة وتشمل نقاطًا كثيرة؛ لذا لا بد من حلها على النقاط كافة.

وشدّد الحداد على أنه طالما يسعى النظام إلى خيار تحلية مياه البحر والصرف الصحي، فإن هناك خطوة لا بد منها، وهي صيانة شبكات المياه المتهالكة في مصر، إلى جانب تغيير مضخات المياه، واستبدال مضخات أحدث بها.

تجويع المصريين

وقال الدكتور سعد سليمان، الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة الزقازيق: إن سد النهضة سيحجز 74 مليار متر مكعب من المياه؛ ما يوازي حصة مصر والسودان معًا، مشيرًا إلى أن النية هنا قد تكون سيئة من جانب إثيوبيا، التي قد تطلب بيع المياه لمصر والسودان أو تمرر جزءًا منها مقابل بيعها لإسرائيل.

وأشار سليمان - في تصريحات صحفية - إلى أن الحلول المتاحة أمام مصر بمجال الزراعة، تتمثل في استنباط أصناف زراعية مقاومة للجفاف والملوحة، توفر من 15 إلى20 مليار متر مكعب خلال 5 إلى 7 سنوات.

وأوضح أن هذا الحل يكلف على أقصى تقدير 100 مليون جنيه، بدلاً من رصد 900 مليار جنيه لعمل محطات تحلية وتنقية"، مشيرًا إلى أن الكمية التي سيتم توفيرها من الزراعة تكفي للاستهلاك الآدمي والصناعي.

وأعرب عن أسفه لأن نظام السيسي لا يؤمن بالعلم ويسعى إلى إذلال المصريين وتجويعهم.