كشف رجل الأعمال محمد علي عن جوانب خفية حول أبعاد الفساد داخل الجيش وحكومة الانقلاب، موضحًا كيفية حصول الجيش على مشاريع المقاولات من الوزارات المختلفة، وتفاصيل الإسناد المباشر.

وقال "علي" - في مقطع فيديو جديد -: "كل وزارة بها إدارة هندسية خاصة بها لتنفيذ كافة الأعمال التي تحتاجها. إلا أنه لا يوجد شيء في الدنيا أن تدخل جهة سيادية على جهة حكومية للحصول منها على أعمال المقاولات.. أين المنافسة؟"، مشدّدًا على أن الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة أصبحت شركة مقاولات كبرى لتنفيذ المشروعات.

وأشار إلى أنه وقّع عقدًا مع الجيش لتنفيذ "المحكمة الاقتصادية" بمنطقة المعادي، متسائلاً: "ما هو المنطق في توقيع الهيئة الهندسية التابعة للجيش مع وزارة العدل مقابل تنفيذ أعمال مقاولات؟ هل هذه أعمال منوطة بالجيش؟ ثم بعد توقيع العقد يقوم الجيش بطرح الأعمال لمقاولين من الباطن لتنفيذها؟ ومن الذي يستفيد من هذا؟

وتساءل رجل الأعمال: هل من المناسب أن تتحمل الهيئة الهندسية والقوات المسلحة جميع أعباء الدولة في كل القطاعات والمجالات؟

كانت مزاحمة وزارة الإسكان بحكومة العسكر عبر الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة في مشروعات الإسكان الفاخر، قد أثارت قلق قطاعات كبيرة من المطورين العقاريين.

وأكد هؤلاء أن استفحال النشاط الاقتصادي للجيش أثّر عليهم سلبًا؛ وذلك لانعدام تكافؤ الفرص بين الطرفين لما تمتلكه المؤسسة العسكرية من مميزات تفقد القطاع الخاص القدرة على الوقوف أمامها، فضلاً عن الركود الذي يشهده السوق منذ تعويم الجنيه.

كان قرار الطرطور المؤقت عدلي منصور، الصادر في نوفمبر 2013، قد سمح لحكومة الانقلاب بالتخلي عن المناقصات وإسناد المشروعات لأي شركة في الحالات العاجلة، والقرار الذي اتبعه في أبريل 2014 وحظر بموجبه الطعن من طرف ثالث على العقود التي تبرمها حكومة الانقلاب مع أي طرف، سواء كانت متعلقة ببيع أراضي الدولة أو بأعمال مقاولات أو غير ذلك، لاقتحام الجيش بقوة في سوق العقارات والإنشاءات.

واقتحم الجيش في مارس 2014 بقوة سوق العقارات من خلال مشروع المليون وحدة سكنية لمحدودي الدخل بالتعاون مع شركة أرابتك الإماراتية بتكلفة تقدر بنحو 280 مليار جنيه

مشروعات فاخرة

ومع مرور الوقت اتجه الجيش للمشروعات الفاخرة بالعاصمة الإدارية الجديدة ويمتلك 51% من الشركة التي تتولى عملية تطوير المدينة باستثمارات تقدر بنحو 45 مليار دولار كما يشارك في تطوير مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط، وهضبة الجلالة في المنطقة الجبلية شمال البحر الأحمر.

ومطلع العام الجاري، طرحت وزارة الإسكان بحكومة العسكر شققا في منطقة العلمين الجديدة، وبلغ متوسط سعر المتر بها ما يتراوح بين 30 و42 ألف جنيه، في حين طرحت فيلات بمدينة المنصورة الجديدة متوسط سعر المتر فيها 24 ألف جنيه.

وعدلت الوزارة مشروع دار مصر للإسكان المتوسط تحت مسمى الإسكان الفاخر في ست مدن جديدة، سعر المتر يبدأ من 11 ألف جنيه، محققة مبيعات تتجاوز 10 مليارات جنيه.

ويرتبط بالقطاع العقاري نحو 70 صناعة (بطريقة مباشرة وغير مباشرة)، ويسهم بنسبة 17% من إجمالي الناتج المحلي المصري، ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بموازنة العام المالي 2018-2019 بنحو 5.250 تريليونات جنيه.

منافسة محسومة

من جانبه، انتقد المطور العقاري نشأت العشري اقتحام القوات المسلحة لسوق العقارات والإسكان الفاخر، مؤكدًا أن هذا أثّر بالسلب عليهم بسبب عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين.

وقال: إن "الجيش يمتلك مقومات غير متوفرة لدى القطاع الخاص، كالحصول على الخامات دون مقابل (إسمنت وحديد ورمل وزلط)، فضلاً عن العمالة غير المكلفة له، كاستخدامه للمجندين من مهندسين وحرفيين في المشروعات".

وشدّد العشري على أن المستثمر (المحلي أو الأجنبي) لا يريد التنافس مع الحكومة؛ فهي منافسة محسومة لصالحها من الأساس، مستدلاًّ بما حدث مؤخرًا في سوق صناعة الإسمنت.

كان دخول مصنع بني سويف (طاقته الإنتاجية تبلغ 12 مليون طن سنويًا) التابع للجيش قد كبد مصانع الإسمنت خسائر كبيرة؛ حيث سجلت شركة الإسكندرية لإسمنت بورتلاند، خلال النصف الأول من العام الجاري، خسائر بنسبة 29% بقيمة 169 مليون جنيه، مقابل 131 مليونًا خلال الفترة نفسها من العام المنصرم، في حين تكبدت شركة السويس للإسمنت خسائر بقيمة 590 مليون جنيه النصف الأول من العام الجاري.

أراضٍ بالمجان

ويرى الخبير الاقتصادي ممدوح الولي أنه ضمن عدم تكافؤ الفرص بين الطرفين حصول القوات المسلحة على أراضي المشروعات مجانًا أو بمبلغ يصعب تحديده في ظل عدم الرقابة على مشروعات واقتصادات الجيش، بينما تحصل عليها شركات القطاع الخاص بسعر مرتفع.

وقال: إن سعر الأرض أصبح يمثل حوالي 40% من تكلفة العقار، فضلاً عن عدم دفع ضرائب أو جمارك، مشيرًا إلى أن الجيش يستحوذ على 90% من أراضي مصر أغلبها الظهير الصحراوي للبلاد.

ومن حين لآخر يصدر عبدالفتاح السيسي قرارات بتخصيص أرض للقوات المسلحة، آخرها القرار الصادر مطلع أغسطس الماضي بإعادة تخصيص 47 جزيرة من الأراضي المملوكة للدولة والتابعة لمحافظة البحر الأحمر جنوب سيناء، لصالح القوات المسلحة كأراضٍ إستراتيجية ذات أهمية عسكرية، وهذه المنطقة كانت تسعى السلطات في السابق لاستغلالها سياحيًا وإنشاء مارينا لليخوت بها.

هروب المستثمرين

وكشف المستثمر العقاري مسعد أبوالعلا عن أنه رغم دخول عدد من المستثمرين خلال الآونة الأخيرة لسوق العقارات (يقدر عددهم بـ50 مطورًا عقاريًّا) إلا أن هناك عزوفًا عن شراء الأراضي الجديدة؛ بسبب سيطرة الجيش، وذلك لأول مرة منذ عشر سنوات.

وأوضح أبوالعلا أن "غالبية المستثمرين، وخاصة الصغار، لجأوا لأخذ مقاولات من القوات المسلحة من الباطن؛ بسبب عدم قدرتهم على شراء أراض جديدة جاذبة لأنظار المستهلك، علاوةً على ارتفاع الأسعار أو سيطرة الجيش على القطع المميزة خاصة في المدن الجديد".

وفي ظل حالة الضبابية التي تسيطر على مستقبل القطاع العقاري - بسبب حالة الركود ومزاحمة المؤسسة العسكرية للقطاع الخاص - يطالب المطور العقاري رامي جميل الدولة بالالتزام بدورها في توفير بيئة صالحة للتنافس بين المستثمرين وليس منافستهم، حتى تكون مصر دولة جاذبة للمستثمرين.

وقال جميل إنه إذا استمر الوضع في سوق العقارات على ما هو عليه الآن من منافسة حكومة الانقلاب للقطاع الخاص، فإن ذلك يعني مزيدًا من التدهور وهروب رءوس الأموال لدول أخرى، لافتًا إلى أنه في سبتمبر 2017 حذر صندوق النقد الدولي من إعاقة كيانات اقتصادية تخضع للمؤسسة العسكرية عملية تطوير القطاع الخاص وخلق فرص عمل.

وطالب جميل الجيش بالاتجاه لبناء مساكن للطبقات الفقيرة بأسعار متدنية، مستغلاًّ حصوله على الأرض بالمجان وامتلاكه المحاجر ومصانع الإسمنت والحديد لأنه الأجدى مجتمعيًّا.

تعويم الجنيه

ومع تنفيذ قرار تحرير سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأمريكي في الثالث من نوفمبر 2016، دخل سوق العقارات حالة ركود بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء والذي انعكس بدوره على العقارات، فضلاً عن زيادة المعروض وقلة الطلب بسبب عدم قدرة أغلب المصريين على شراء شقق جديدة.

وأدى التعويم إلى ارتفاع أسعار العقارات بنسبة تجاوزت 110% في الأماكن المتوسطة، بينما بلغت 150% في الأماكن الراقية، بحسب ما أوضح أصحاب ثلاث شركات عقارية، تعمل في التجمع الخامس ومصر الجديدة.

ومنذ انقلاب السيسي على الرئيس الشهيد محمد مرسي في صيف 2013، تنامى دور المؤسسة العسكرية في الحياة الاقتصادية، وتتباين التقديرات حول حجم الدور الذي يلعبه الجيش في الاقتصاد المحلي وتخضع المشروعات التجارية التابعة للقوات المسلحة لثلاث جهات رئيسية؛ هي: وزارة الإنتاج الحربي (تأسست عام 1954) وتشرف على 20 شركة، ووزارة الدفاع ممثلة في الهيئة الهندسية، والهيئة العربية للتصنيع المملوكة للحكومة والمسئولة عن 12 شركة.