أعلنت إثيوبيا رفضها مطالب سلطة الانقلاب العسكري بملء خزانات سد النهضة خلال سبع سنوات، وهو ما يعد تهديدًا جديدًا للمصريين بتبوير الأراضي الزراعية؛ بسبب نقص حصة البلاد من مياه النيل، والتي ستعمل إثيوبيا على توجيهها لملء خزانات السد.
يشار إلى أن حصة مصر من مياه نهر النيل تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويًّا، ويوفر النهر نحو 90% من احتياجات البلاد من المياه، في حين تأتي النسبة المتبقية من المياه الجوفية والأمطار وتحلية مياه البحر.
وهناك توقعات بحرمان مصر من 15 مليار متر مكعب سنويًّا من حصتها في مياه نهر النيل حال انتهاء إثيوبيا من ملء خزان سد النهضة (74 مليار متر مكعب) على مدار 5 سنوات.
كانت حكومة الانقلاب قد سلمت إثيوبيا والسودان - الشهر الماضي - رؤية قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي فيما يتعلق بأسلوب ملء وتشغيل سد النهضة خلال فترات الفيضان والجفاف طبقًا لحالة الفيضان، دون إعلان عن التفاصيل، غير أن وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي "سيلشي بكلي" قال إن نظام الانقلاب العسكري طلب ملء الخزان على مدار 7 سنوات، وإن إثيوبيا ردت بخطاب، دون أن يذكر فحواه، وهو ما يندرج ضمن سياسة المماطلة التي تتلاعب بها إثيوبيا بنظام العسكر.
وشدد "بكلي" على استمرار العمل في السد، معلنًا أن التوربينات ستبدأ في توليد الطاقة بعد سنة وثلاثة أشهر، وفقًا للخطة الموضوعة؛ بحيث يكتمل بناء السد في 2023.
يذكر أنه على مدار السنوات الثماني الماضية لم تشهد مفاوضات سد النهضة أي تقدم ملحوظ، سوى في تصريحات المسئولين الذين يتحدثون دائمًا عن وجود بوادر انفراجة قريبة، ثم تليها جولة أخرى من المفاوضات دون التوصل إلى حل.
200 ألف فدان
من جانبه، اعترف محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري بحكومة الانقلاب، بأن "نقص حصة مصر من مياه النيل بنسبة 2% بسبب سد النهضة سيؤدي إلى بوار نحو 200 ألف فدان تخدم ما يوازي مليون أسرة تقريبًا".
وقال الوزير الانقلابي - خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لورشة العمل الإقليمية، بشأن دعم تنفيذ المساهمات المحددة وطنيا المعنية بتغير المناخ في قطاعي الزراعة والمياه والتي نظمتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) -: إن ذلك سيؤدي إلى زيادة الهجرة غير الشرعية.
وأشار إلى أن "95% من الأراضي في مصر صحراء ويتم الاعتماد على مياه النيل بنسبة 95%، وهذا يجعل الموارد المائية حساسة لأي مشروعات أو أعمال غير سابقة التنسيق"، زاعمًا أن نظام العسكر يأمل التوصل إلى اتفاق بخصوص قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
وتوقعت وزارة الموارد المائية والري، في يوليو الماضي، انخفاض 9% من حصة مياه النيل؛ ما دعاها إلى رفع حالة الطوارئ القصوى لتوفير الاحتياجات المائية للبلاد، خاصة مياه الشرب.
اجتماع سداسي
وكشفت مصادر دبلوماسية عن أن سامح شكري، وزير خارجية الانقلاب، خلال لقائه بنظيرته السودانية أسماء عبدالله وبرئيس الحكومة عبدالله حمدوك، طالب بضرورة أداء السودان دورًا لمنع إلحاق أي ضرر بمصر، مع الأخذ في الاعتبار الاستفادة السودانية الكبيرة من السد عمليًّا، فيما يتعلق بتحسين فرص الاستفادة من المياه وخفض فوارق المنسوب بين النيلين، وزعم شكري أن نظام المجرم المنقلب السيسي يرغب في حسم الموقف قبل نهاية العام، للاستفادة من ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر خلال العامين الحالي والمقبل، مع تجنيب هذا العامل نهائيًّا عند الحديث حول ضوابط ومعايير الملء الأول للسد.
وأضافت أن الجانب السوداني أكد رغبته في عدم الإضرار بمصالح مصر نهائيًّا، لكن حداثة عهد المسئولين السودانيين الجدد بالتعامل مع هذا الملف ستوجب على مسئولي الانقلاب - وتحديدًا المخابرات والخارجية - بذل مجهود أكبر لإقناع الخرطوم بعدم التراجع عن المرحلة التي كان قد وصل إليها الرئيس السابق عمر البشير من تطوير التعاون في هذا الملف بعد سنوات من وقوفه، بجانب إثيوبيا ومماطلته في إبداء موقف إيجابي تجاه مصر.
وأوضحت المصادر أن الاجتماع السداسي الذي دعا إليه نظام الانقلاب - والذي لم تؤكد إثيوبيا حضوره - سيكون مناسبة لقياس مدى تأثير العسكر على قيادات السلطة الجديدة في السودان، وتأثير حلفائها بالتبعية على القرار الرسمي في الخرطوم، وذلك ارتباطًا بالتواصل المكثف الذي قامت به مخابرات السيسي مع نظيرتها السودانية وشخصيات عدة في المجلس السيادي، على رأسها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي يعدّ الحليف الأبرز للسيسي.
وأشارت إلى أن إثيوبيا ما زالت ترفض مقترح العسكر ألا تقل سنوات الملء الأول عن 15 سنة، وأن يتم وضع آلية فنية مشتركة بعيدًا عن الوزراء والاستخبارات في الدول الثلاث، بإشراف مكتب خبرة أجنبي متفق عليه، لتحديد حجم الملء ونسبته عامًا بعام، لضمان عدم تضرر مصر من انخفاض منسوب المياه، كما ترفض المقترح الآخر بألا تقل الفترة عن 7 سنوات؛ باعتبار أن تحديد فترة الملء شأن سيادي إثيوبي لا دخل للمصريين أو السودانيين فيه.
وزعمت المصادر أن نظام الانقلاب سيطرح عدة نقاط في الاجتماع السداسي، على رأسها ضرورة إبلاغه بمواعيد الصرف والتفريغ وكميات المياه المحددة لذلك بصورة ربع سنوية، بالإضافة إلى إعادة تفعيل ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شكلت بصورة سرية من 15 عضوًا، بواقع 5 ممثلين لكل دولة، لتقديم تقرير جديد يتضمن توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان. بالإضافة إلى استغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف، حيث لم يتم حتى الآن البت في الملاحظات التي أبدتها الدول الثلاث على توضيحات الاستشاري الفرنسي في تقريره بشأن الآثار الاجتماعية والاقتصادية على دولتي المصب.
فترة أطول
واستبعد محمود أبوزيد رئيس المجلس العربي للمياه ووزير الرأي الأسبق تجاوب إثيوبيا مع طلب نظام العسكر
وقال أبوزيد - في تصريحات صحفية - إن الوصول إلى اتفاق حول الملء والتشغيل "سيحتاج إلى فترة أطول".
وشدَّد على أن "ملء خزان السد وتشغيله سيكون له آثاره، ولا بد من اتفاق، وكلما زادت فترة الملء كلما كان التأثير أقل".
خداع استراتيجي
ويرى حمدي عبدالرحمن، خبير الشئون الإفريقية، أن "من مصلحة كل الأطراف الوصول إلى حل وسط، وهذا يتفق مع سياسة صفر مشاكل التي تبناها أبي أحمد" رئيس الوزراء الإثيوبي.
وقال عبدالرحمن - في تصريحات صحفية - إن التأجيل عمل متكرر من الجانب الإثيوبي، لكن الجديد هنا هو وجود دراسة بشأن التعاون في ملء وتشغيل الخزان الأول بعد اكتمال أول توربينين عام 2020.
وشدد على أنه لا بد من الاتفاق كي يتمكن المكتب الفرنسي من استكمال دراساته المقرر لها عامًا، والخبرة السابقة والتأجيل المتكرر تجعل الموقف سيئًا، مشيرًا إلى أن "إثيوبيا انتهجت منذ عام 2011 أسلوب الخداع الاستراتيجي لإكمال بناء السد العملاق".
وأكد عبدالرحمن أن جهود نظام الانقلاب فشلت من خلال التفاوض في الوصول إلى اتفاق مشترك، مشيرًا إلى أنه كان لدعم نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير لقضية السد دور في عدم الاتفاق.
وحذر من أن إثيوبيا ماضية في بناء السد، ومن المحتمل أن يكتمل في 2023، موضحًا أن "المشكلة اليوم تكمن في فترة ملء الخزان، حيث تريد إثيوبيا ثلاث سنوات، وتريد مصر من سبع إلى عشر سنوات، ومن مصلحة الجميع الوصول إلى حل وسط، وهو فترة الست أو سبع سنوات".
وحول سيناريوهات نظام الانقلابي المجرم السيسي إزاء التحدي والخداع الإثيوبي اعتبر "عبدالرحمن" أنه "من غير المحتمل أن تلجأ مصر إلى الخيار العسكري المباشر بتدمير السد".
وتابع: "الخيار الأفضل والمرجح هو حشد الدعم الدولي، ولا سيما الإفريقي، لإقناع إثيوبيا بقبول حل وسط بشأن فترة ملء الخزان" مشددًا على ضرورة أن يلجأ المزارعون في مصر إلى ترشيد استخدام المياه، وأن تعمل الدولة على تحلية مياه البحر، وإعادة توجيه مسارات النيل الأزرق، لتقليل الفاقد عن طريق التبخير، وذلك كله لتقليل الأضرار الناجمة عن سد النهضة".