بمجرد تراجع أسعار الدواجن في السوق المصرية؛ حيث سجل سعر الكيلو من 25 إلى 30 جنيهًا أصدرت حكومة الانقلاب قرارًا بحظر استيراد الدواجن وأجزائها من الخارج، بزعم حماية هذه الصناعة من الانهيار والاعتماد على الإنتاج المحلي لتلبية احتياجات الجهات المستوردة، على حد تعبيرها.

القرار يأتي في إطار سياسة الانقلاب الرامية إلى رفع أسعار جميع السلع والمنتجات؛ بهدف تجويع الشعب المصرى واستنزاف كل ما يملك من أموال من أجل الحصول على لقمة العيش.

كان اتحاد منتجي الدواجن قد عقد اجتماعًا مع مسئولي وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب، وصدر عن الاجتماع عدد من القرارات لرفع أسعار الدواجن، منها وقف استيراد كل منتجات الدواجن كاملة ومصنعاتها؛ بهدف توجيه كامل طاقة السوق المحلية لاستهلاك المنتج المحلي بصورة حصرية. ‎

خبراء الاقتصاد من جانبهم انتقدوا هذه القرارات، وقالوا إن نظام العسكر يتجاهل حرية السوق وآليات العرض والطلب، مؤكدين أن رفع الأسعار سيقلل الطلب على المنتج المحلي، وسيواجه السوق حالة من الركود، كما حدث قبل وبعد عيد الأضحى المبارك.

وقالوا إن تراجع الأسعار من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب، وبالتالي تتزايد أرباح العاملين في صناعة الدواجن، محذرين من أن رفع الأسعار سيؤدي إلى تراجع الطلب وحدوث ركود قد يؤدي في النهاية إلى انهيار صناعة الدواجن.

من جانبه قال الدكتور عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية: إن انهيار الصناعة هو النتيجة المؤكدة لتلك الحلقة المفرغة التي تدور فيها منذ سنوات، وكأن الأمر لا يعني أحدًا وحمل وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب المسئولية، مشيرًا إلى أن الغاز والسولار ومشكلة التدفئة معاناة لا بد من وضع حد لها، وطالبت الغرفة بتوفير أنابيب البوتاجاز بدون دعم على أن يتم إنتاج أنابيب بلون مميز خاص بمزارع الدواجن، ووعدت وزارة الزراعة في حكومة بتوفيرها بنصف دعم حتى لا ترتفع أسعار الدواجن، لكن ما زالت وعودًا لم تنفذ!

المزارع العشوائية

وأضاف عبدالعزيز - في تصريحات صحفية - أن الأعلاف تمثل 70% من مدخلات صناعة الدواجن؛ لذلك لا بد من التوسع في زراعة الذرة الصفراء وفول لصويا وإنتاج بدائل للعلف النمطي من المخلفات الزراعية، لافتا إلى أن هناك مستثمرين مستعدون للدخول في هذا المجال، وتناقشت الغرفة مع عدد منهم لإنتاج تشغيلة؛ واحدة من هذه المخلفات لكن الإنتاج لم يبدأ بعد، أيضًا بسبب عدم تبني وزارة الزراعة للمشكلة.

وكشف عن أن التطوير والتحديث للمزارع غائب تمامًا، وهي مسئولية قطاع الإنتاج الحيواني بوزارة الزراعة؛ لذلك تقترح الشعبة إنشاء مجلس أعلى للثروة الحيوانية والداجنة والسمكية يضم في عضويته رؤساء الشعب ويتولى إعادة هيكلة هذه الصناعات وحل مشاكلها وزيادة الإنتاجية.

ويرى عبدالعزيز أن مشكلة المزارع العشوائية للدواجن لن تحل بإغلاقها، موضحًا أنها تمثل 55% من الإنتاج وإخراجها من المنظومة سيؤدي إلى رفع الأسعار، والحل هو ترخيصها لإدخالها في المنظومة مؤقتًا حتى يمكن متابعتها وإرشادها مع إعطائها مهلة 5 سنوات للتطوير والتحديث وتطبيق احتياطات الأمان الحيوي.

وطالب بإعادة بورصة الدواجن للعمل بعد إعادة هيكلتها وتشكيلها من خبراء المهنة وإلزامها بتطوير الصناعة، من خلال إعداد قاعدة بيانات من كل ما له علاقة بها، ويتم ذلك بمساعدة مديريات الزراعة بالمحافظات، وشرط أن يذهب دخل البورصة الناتج عن رسوم خروج السيارات المحملة بالدواجن إلى تطوير الصناعة وحل مشاكلها بدلاً من ذهابه للمحافظة وإنفاقه على أنشطة عديدة.

وأوضح أن هذا الدخل يمكن أن يصل إلى ملياري جنيه في حالة إعادة الهيكلة، ويمكن منح قروض حسنة للمزارع من هذا الدخل، مؤكدًا أن البورصة بنظامها السابق لم تضف جديدًا بل كانت ترفع الأسعار تحفيفًا لصالح بعض كبار المنتجين.

وأشار إلى أن اتحاد منتجي الدواجن الذي يضم كبار المنتجين من أصحاب المزارع والدواجن المصنعة لا يراعى إلا مصالحه ويتجاهل الغالبية من المزارع الصغيرة والمتوسطة، رغم أن دور الاتحاد هو تحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.

واكد عبدالعزيز أن الاتحاد يحتاج إلى إدارة حرفية متخصصة، لكن المتحكمين فيه حاليًا لا يسمحون بدخول آخرين في انتخابات إدارة الاتحادات؛ ليظل حكرًا على عدد من كبار المنتجين بعينهم!!

ليست أولوية

ويرى أحمد نصار، المدير التنفيذي السابق لبورصة الدواجن، أن حل مشاكل صناعة الدواجن يبدأ بوضع تشريع ينظم هذه الصناعة من حيث التربية والتداول والاستيراد، موضحًا أن غياب هذا القانون يجعل العشوائية هي المسيطرة.

وطالب نصار - في تصريحات صحفية - وزارة الزراعة بحكومة الانقلاب بتشجيع زراعة الذرة الصفراء في توشكى والأماكن الجديدة المستصلحة ويمكن العودة لنظام الدورة الزراعية لضمان إنتاج كاف من المحاصيل الاستراتيجية، ومنها القمح أيضًا الذي يدخل بطريقة غير مباشرة في الأعلاف.

وأكد أن واقع الحال يعكس أن صناعة الدواجن ليست من أولويات حكومة الانقلاب، مشيرا الى أن المزارع تخسر ولا تجد من تلجأ إليه، حتى الاتحاد العام للمنتجين لا يقوم بدوره في المحافظة على الصناعة رغم أنه يضم كبار المنتجين والأساتذة البيطريين!!

مافيا الاستيراد

وكشف الدكتور شعبان درويش، مدير عام مصلحة الطب البيطرى الأسبق، عن أن تدمير الصناعة المحلية يجري لصالح مافيا الاستيراد، التي تركز على دول البرازيل وأوكرانيا وفرنسا، موضحًا أن تلك الدول تتقدم بعرضين، إما دواجن بالمياه أو بدونها؛ حيث يتم تجهيزها عبر تعريضها لصعق كهربائي بقوة ٢٥ فولتًا لمدة ١٥ ثانية، وبعدها يتم الذبح، بعد إجراء مرحلتين، التشطيف في الماء ثم التفريغ من المياه والهواء.

وأوضح أنه يتم شراء الفراخ بالمياه بها من ١٠٠ إلى ١٥٠ جرامًا يتم تجميدها لسالب ١٨ أو سالب ٤٠ عند الدخول في نفق التجميد في بلد المنشأ، لصالح المستورد على حساب المستهلك.

وقال - في تصريحات صحفية - إن اللجان المشرفة يتم خروجها على حساب المستورد، علاوةً على ما يسمى "مصروف الجيب"، ولا يتم الإشراف على المجمدات حين تدخل مراحل الهواء والتفريغ، بجانب عدم المتابعة في مشاكل الذبح أو عدمه أو حتى طرق التسمين، واستخدام أعلاف مهرمنة، أو حتى تكون الطيور خالية من الإصابات قبل الذبح.

كارثة كبرى

ويرى الدكتور نبيل درويش، رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، أن سوق الدواجن يواجه حاليًّا كارثة كبرى مع حصار المزارع بعديد من الأعباء التي تؤثر على استثماراتها متمثلة في استمرار التداعيات السلبية لقرار الاستيراد العشوائي الذي تم من خلاله إدخال صفقة كبرى من الدواجن المستوردة للبلاد، ومطالبة المزارع بسداد ضريبة عقارية وإلزامها بضرورة إدخال الغاز الطبيعي, مشيرا إلى أنه لأول مرة منذ بدء صناعة الدواجن بشكل تجاري منتظم في مصر يحدث تأثير سلبي شديد لمربي الجدود.

وأضاف أن العاملين بصناعة الدواجن يتكبدون خسائر متتالية منذ تم دخول صفقة الاستيراد الكبرى والتي قدرت بنحو 220 ألف طن, لافتا إلى أنهم أعتادوا دائما في حال حدوث أي كساد أن ترتبك حلقات التسمين والأمهات أما الجدود فإنها لأول مرة يحدث لها تأثير وتلك كارثة.

وأوضح درويش أن المربي يخسر يوميًا ما يتراوح ما بين جنيه إلى 4 جنيهات في سعر كتكوت التسمين نتيجة ارتباك السوق وتأثره بالكميات الاستيرادية.

وقال: إن صناعة الدواجن تقدر استثماراتها بنحو 65 مليار جنيه وإنها نجحت في تحقيق الاكتفاء الذاتي من البيض واللحوم البيضاء لعشرات السنين؛ حيث تنتج نحو 3.5 مليون دجاجة يوميًا؛ أي ما يوازي حجم الاحتياجات تقريبا التي تقدر بما يتراوح ما بين 3 إلى 3.5 مليون دجاجة وبالنسبة للبيض يتم إنتاج ما يتراوح ما بين 12 إلى 14 مليار بيضة في السنة بمعدل ما يتراوح ما بين 100 إلى 120 بيضة للفرد في السنة.

وأشار درويش إلى أن المشكلات التي تواجه الصناعة حاليا لا تقتصر على تأثيرات الاستيراد فقط، وإنما فوجئت المزارع أيضًا بمطالبتها بسداد ضرائب عقارية تم احتسابها بصورة جزافية تغافلت أن تلك مشروعات للأمن الغذائي, لافتا إلى أن أحد المطالبات الخاصة بشركة واحدة وصلت لنحو 13 مليون جنيه!!

وأكد أن الضريبة العقارية على المزارع يتم احتسابها بطريقة جزافية حتى إن بعض المربين قاموا بدفع ضرائب على العنابر وعلى الأرض التي حولها, مطالبا الدولة بضرورة إعادة النظر بتلك الضريبة وعدم فرضها على مشاريع إنتاجية وخاصة إذا كانت تتعلق بأمن غذائي قومي.

واستطرد درويش أن المزارع مطالبة أيضًا بضرورة عمل تعاقدات فورية لإدخال الغاز الطبيعي وعدم استخدام السولار دون تقديم أية تسهيلات مع العلم بأن ذلك يتطلب ملايين الجنيهات.

60 مليار جنيه

وقالت الدكتورة شيرين زكي، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء البيطريين: إن استيراد العلف يمثل مشكلة كبيرة لصناعة الدواجن بمصر بسبب ارتفاع ثمنه بعد تدهور قيمة الجنيه المصري.

وأضافت شيرين - في تصريحات صحفية - أنها قابلت مستثمرين سعوديين جاءوا إلى مصر لعمل استثمارات خاصة بالأعلاف في مصر؛ حيث طلبوا أن تتنازل الدولة المصرية عن مبلغ يتراوح بين 700 مليون جنيه إلى مليار جنيه قيمة الجمارك المتحصلة من واردات الأعلاف التي ترد إلى البلد.

وتابعت أنه بتنازل الدولة عن هذا المبلغ ستسهم في تطوير صناعة الدواجن؛ حيث سترفع أعباءً كبيرةً من على المربي الصغير للدواجن.

وأوضحت أن الدولة ستعوض هذا المبلغ من خلال تقليل استيراد اللحوم والدواجن، وبالتالي تستطيع توفير العملة الصعبة محذرة من "صناعة الدواجن تنهار وتحقق خسائر تقدر بحوالي 60 مليار جنيه، بعد أن كانت مصر تصدر الدواجن للدول الخليجية".

وأشارت إلى أن الدولة المصرية لم تستفد شيئًا من رفع الجمارك على الدواجن المستوردة، بل كان هذا القرار وبالاً على المربي المصري".