كشفت وثائق عسكرية مُسربة من داخل إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة عن تأصيل خطط ومؤامرات السيسي الرامية للتنازل وبيع جزيرتي تيران وصنافير لصالح المملكة العربية السعودية، مقابل دعمها انقلاب العسكر في 3 يوليو 2013 على الشهيد الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في التاريخ المصري.
وحملت الوثائق تحذيرًا بعدم الاطلاع أو العرض أو تداول تلك الوثائق على الجهات المدنية؛ باعتبار أنها "سرية للغاية"؛ ما يطرح سؤالاً عن ماهية الأسباب التي تحول دون معرفة أو اطلاع الجهات أو المدنيين على تلك الوثائق أو المعلومات، التي تحويها ما دامت أنها حقائق صحيحة ومثبتة، كما تدعي تلك الوثائق.
وقالت وثيقة - حملت عنوان "الموقف السياسي والأسانيد والوثائق القانونية التي تؤكد سلامة الموقف المصري" -: "إن توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية التي أُبرمت في 8 أبريل 2016م، أثار جدلاً لدى الرأي العام، استغلته بعض الأطراف والقوى المناوئة للدولة ووظفته لتحقيق مآربها وأجندتها السياسية؛ حيث ادعت أن الحكومة تنازلت للسعودية بموجب هذه الاتفاقية عن الجزيرتين".
وزعمت أن "ما تروج له بعض الأطراف السياسية والأصوات الإعلامية من أن مصر تنازلت للسعودية عن الجزيرتين في اتفاقية تعيين الحدود البحرية في 8 أبريل 2016؛ هو ادعاء منافٍ تمامًا للحقيقة ويفتقر للمعرفة بنص الاتفاقية".
الحدود البحرية
وتابعت:" تتكون الاتفاقية من ثلاث مواد لم تتطرق أيٌّ منها إلى الإقليم البري لجمهورية مصر العربية إنما حددت خط الحدود البحرية الفاصلة بين مصر والسعودية ابتداء من نقطة الالتقاء المشتركة للحدود البحرية (المصرية- السعودية – الأردنية) في خليج العقبة وانتهاء عند خط عرض 22 درجة شمالا في عرض البحر الأحمر، وهو خط الحدود المصرية الجنوبية".
واستطردت الوثائق قائلة:" لم تتعرض الاتفاقية إلى جزيرتي تيران وصنافير، ولم تنطو على تنازل أو تخلّ عنهما أو لأي جزء من الإقليم البري لجمهورية مصر العربية؛ ذلك لأنها اقتصرت على تحديد خط الحدود البحرية بين البلدين".
وتمثلت إحدى الوثائق العسكرية في محاضرة لأستاذ التاريخ المعاصر والحديث، وعضو اللجنة الفنية التي تم تشكيلها سابقًا لتحديد مصير جزيرتي تيران وصنافير، جمال شقرة، والذي فاز بجائزة الدولة في التفوق للعلوم الاجتماعية في شهر يونيو الماضي، بحكم قربه من المؤسسة العسكرية.
وتزعم الوثائق أن بعضا ممن تناولوا قضية الجزيرتين في الصحافة ووسائل الإعلام اعتمدوا على "خرائط وأطالس صادرة من جهات مصرية تضع جزيرتي تيران وصنافير ضمن الإقليم المصري للدفع بأن مصر لها السيادة على الجزيرتين ينطوي ذلك القول على مبالغة في تقدير القيمة القانونية للخرائط".
وتقول إن "الخريطة لا يُعتد بها كسند قانوني لسيادة الدولة على الإقليم أو لتحديد الحدود بين الدول إلا إذا كانت مُوقعة ومُعتمدة رسميا من قبل دولتين أو كجزء أصيل من اتفاقية مبرمة بينهما. كما أن كافة المطبوعات الأخرى الصادرة عن الدولة (الكتب المدرسية) لا يُعتد بها كسند للدفع بسيادة الدولة على إقليمها".
يُذكر أن المدافعين عن مصرية الجزيرتين قدموا العديد من الدفوع والأدلة والوثائق الدامغة على بطلان الاتفاقية، وهو ما "وقر واستقر في عقيدة المحكمة أن سيادة مصر على تيران وصنافير مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية راجح رجحانًا يسمو لليقين، كأثر لسيادتها المستمرة من ناحية، وأن الحكومة لم تقدم وثيقة أو شيئًا آخر يغير أو ينال من هذا الأمر، ولهذه الأسباب وغيرها أعدت المحكمة حكمها في 59 صفحة، انتهت فيها إلى أن المحكمة قد حكمت باجماع الآراء برفض طعن الحكومة"، وفقًا لنص كلمة رئيس المحكمة الإدارية العليا، المستشار أحمد الشاذلي، الذي حكم بمصرية الجزر.
30 يونيو
وعن المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، قالت الوثائق: "إن هناك فريقًا ممن يعارض الاتفاقية ينطلق من عدائه لما وصفته "بثورة 30 يونيو 2013"، ويعتبر "الاتفاقية تنازلا عن أرض مصرية"، زاعمة أن هذا غير صحيح، وفريق آخر تحركه مشاعر وجدانية تحت تأثير الدعاية المضادة التي انطلقت من أفواه غير مسئولة".
وتؤكد الوثائق أنه "بعد هزيمة العرب ونكبة 1948 كانت (إسرائيل) تنفذ مخططها الصهيوني، وتحاول اغتصاب أي أرض تصل إليها قبل توقيع معاهدة رودس، وبالفعل كانت الجزر جزءًا من مخططها؛ حيث جرى حوار في الكنيست أوائل يناير 1950 بخصوص الجزر، وأنه لا يرفرف عليها أي علم ولا تتبع أي دولة".
وفي 17 يناير 1950، أُرسلت برقية من القدس لوكالة الأنباء الفرنسية نصها - وفقًا لوثيقة وكيل وزارة الخارجية المصري - "أن إسرائيل تطمع في جزيرة قاحلة بالبحر الأحمر؛ حيث أكد نائب يهودي أثناء استجواب وجهه إلى الحكومة في البرلمان اليهودي أنه لا يرفرف علم أي دولة عليها من دول العالم، وقد رفضت الحكومة اليهودية مناقشة النتائج التي يمكن أن يؤدي إليها احتلال الجزر".
وأردفت: "استفسرت وزارة الحربية والبحرية من وزارة الخارجية في ديسمبر 1928 عما إذا كانت جزيرة تيران وجزيرة صنافير تابعتين لمصر حتى تقوم مصلحة الحدود بإرسال قوة لرفع العلم المصري عليها، وجاء رد وزارة الخارجية بأنه ليس لهاتين الجزيرتين أي ذكر في ملفات الوزارة حتى أواخر 1949".
وأشارت إلى أن وزارة الخارجية لم تحسم تبعية الجزيرتين لمصر، ولم تمارس مصر عليهما أي مظهر من مظاهر السيادة، وإن كانت بعض الوثائق المصرية تشير إلى أن بعض الصيادين المصريين كانوا يقومون بالصيد بهما.
جيش احتلال
وبالمخالفة الصريحة لأحكام القضاء المصري، زعمت الوثائق أن الجيش المصري كان جيش احتلال للجزيرتين، بعدما قام "السلاح البحري المصري بالاستيلاء عليهما يومي 25 و28 يناير 1950، ورُفع العلم المصري عليهما، حماية لهما من (إسرائيل)".
يُذكر أنه ردًّا على مزاعم احتلال مصر جزيرتي تيران وصنافير، أكد نائب رئيس مجلس الدولة، المستشار أحمد الشاذلي - المعروف بقاضي تيران وصنافير - أن "الجيش المصري لم يكن أبدًا - قديمًا أو حديثًا- جيش احتلال، وما أخرجته مصر خارج حدودها إلا دفاعًا عن أمنها وأمن أمتها العربية".
وقال الشاذلي: " مصر ليست نقطة على خريطة الكون أو خطوط رسمها خطاط أو عالم جغرافي على خرائطه، إنما هي بلد قديم خلقه الله من رحم الطبيعة، بين بحرين عظيمين ربط بينهما بدم وعرق بنيه برباط مادي ومعنوي، ويسري على أرضها من الجنوب للشمال نهر خالد بالتاريخ".
وتقول الوثائق: إن "الملك عبد العزيز آل سعود رحّب بخطوة احتلال الجزيرتين؛ حيث أرسل في ذات اليوم برقية إلى ملك مصر يثني على الخطوة التي اتخذتها مصر لإنقاذ الجزيرتين"، مضيفة: "الملك عبدالعزيز كان سعيدًا بنزول القوات المصرية على جزيرتي تيران وصنافير بهدف المحافظة عليهما؛ لأنه كان قلقًا، وأنه يشعر الآن بزوال القلق".
وتضيف الوثائق: إن "السفير السعودي في القاهرة بعث ببرقية إلى الملك عبدالعزيز يوم 30 يناير 1950 أكد فيها أن الحكومة المصرية اتخذت إجراءات نهائية بخصوص الجزيرتين، وأنها لم تتصل بالسعودية عملاً بالحديث الشريف (استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان)" .
وتابعت: "رؤي إبلاغ الحكومة البريطانية لما لها من مصالح في ميناء العقبة باحتلال مصر للجزيرتين، وتم ذلك بالفعل، كما تم إبلاغ السفارة الأمريكية يوم 30 يناير 1950 بنص البرقية: (بالنظر إلى المحاولات التي ظهرت من جانب السلطات الإسرائيلية بالنسبة لجزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر بمدخل خليج العقبة أمرت الحكومة المصرية، وذلك بالاتفاق التام مع السعودية باحتلال الجزيرتين احتلالا فعليا، وهذا الاحتلال الآن أمر واقع)، وأن هذا الاحتلال لا يعوق فكرة المرور البريء".
وعن الوضع التاريخي للجزيرتين قبل ظهور الدولة السعودية، قالت الوثائق: تتعدد الروايات التي تؤكد أن تيران وصنافير كانتا تتبعان إقليم الحجاز من ذلك ما ذكره المقريزي، وأنه لم يرد أي ذكر لتعيين الجزيرتين لمصر في العصور الوسطى".
عصمت عبدالمجيد
وأكدت الوثائق أن نائب رئيس الوزراء ووزير خارجية مصر الأسبق عصمت عبدالمجيد وجه خطابًا إلى وزير خارجية السعودية، سعود الفيصل، بتاريخ 3 مارس 1990 بشأن موقف الحكومة المصرية من الجزيرتين.
وتضمن الخطاب أن مصر "تركز اهتمامها على ضرورة مراعاة عدم الإخلال بالتزاماتها الإقليمية والدولية طبقًا للاتفاقيات الدولية التي أبرمتها بشأن إقرار السلام في المنطقة، والتي تقضي بعدم تواجد أي قوات عسكرية بالجزيرتين؛ حيث تتولى الشرطة المدنية المصرية المجهزة بزوارق خفيفة مسلحة تسليحًا خفيفًا مهامها داخل المياه الإقليمية للمنطقة، فضلاً عن تمركز القوى متعددة الجنسيات في هذه المنطقة".
وزعمت الوثائق أن "خطاب وزير الخارجية المصري لم يتضمن أي اعتراض على ما جاء في خطاب نظيره السعودي بأن الخطابات المتبادلة بينهما ستُعد اتفاقية دولية بين البلدين، وذلك يؤكد أن هذه الخطابات المتبادلة بين وزيري خارجية مصر والسعودية تعد اتفاقية دولية ملزمة للبلدين وأنها أقامت التزامات قانونية دولية على عاتق البلدين تطبيقًا لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين".
ويطرح قانونيون تساؤلات حول كيفية اعتبار مجرد خطاب مُتبادل بين وزيرين للخارجية بمنزلة "اتفاقية دولية" بين دولتين، رغم أن هذا الأمر لم يُعرض على البرلمان، لا المصري أو السعودي، ولم يعلم به أي أحد في حينه أو خلال السنوات الطويلة التي تلت هذه الخطوة.
الممارسة الفعلية
واستطردت الوثائق قائلة:" تظل هذه الاتفاقية الدولية هي السند القانوني الرئيسي الذي يحدد الوضعية القانونية لجزيرتي تيران وصنافير هي الاتفاقية الدولية التي لم تتنازع أي من البلدين في صحتها أو سريانها، كما لم يطرأ عليها أي تعديل أو تغيير".
وأضافت: "السعودية استمرت بالدفع بسيادتها على الجزيرتين، وهو الدفع الذي أقرت به مصر في اتفاقية عام 1990. من هنا يتضح أنه من الناحية القانونية أن إقرار مصر في اتفاقية دولية بسيادة السعودية على الجزيرتين يجب بكافة الأشكال وأعمال الإدارة المصرية للجزيرتين في مختلف المراحل التاريخية".
وأردفت: "تؤكد الممارسة والفقه الدوليين قاعدة أن الممارسة الفعلية للإدارة لا تنشئ وحدها سيادة الدولة على إقليم تابع لدولة أخرى، فعلى سبيل المثال لم تتأسس سيادة لمصر على قطاع غزة، رغم إدارتها لتلك المنطقة قبل عدوان 1967. تمسك السودان بسيادته على منطقة (مثلث عليمي) الحدودية رغم إدارة كينيا لتلك المنطقة".
وقالت: "ذكر البعض أن الدولة المصرية مارست على الجزيرتين حقوق السيادة الكاملة، وأنه لم يزاحمها في ذلك أحد، ورغم وجود المظاهر المتعددة للإدارة المصرية لجزيرتي تيران وصنافير، إلا أن هذا الرأي يغفل الحقيقة التاريخية المتمثلة في وجود بعض الممارسات الإدارية والتواجد لولاية الحجاز العثمانية، ومن بعدها السعودية على جزيرتي تيران وصنافير، وهو ما ينفي بأن حيازة مصر للجزيرتين وإدارتها لهما كانت هادئة ومستقرة على مدار التاريخ".
حملة عسكرية
يشار إلى أن الوثائق جاءت ضمن حملة ممنهجة داخل المؤسسة العسكرية، كمحاولة لإقناع ضباط وضباط صف وجنود الجيش بصحة وسلامة موقف السيسي ونظامه الانقلابي من التنازل عن تيران وصنافير، زاعمين أن تلك الوثائق توضح الحقائق الخاصة بمضمون اتفاقية تعيين الحدود البحرية، وكذلك الخليفات القانونية والسياسية والعسكرية الخاصة بوضع جزيرتي تيران وصنافير.
كان المحامي والحقوقي خالد علي - وهو أحد أعضاء فريق الطاعنين على اتفاقية "تيران وصنافير" - قد طرح تساؤلاً، خلال إحدى جلسات مرافعته عن مصرية تيران وصنافير، عن أساب ما وصفه برفض وزير الدفاع المصري التوقيع على الاتفاقية، خاصةً أن وزير الدفاع السعودي هو من وقّع عليها، وبالتالي كان ينبغي أن يُوقع وزير الدفاع المصري وليس رئيس الوزراء الذي أكد أنه دستوريًّا لا يملك حق التوقيع على الاتفاقية.
يُذكر أن كل ما وصفته الوثائق العسكرية بالأسانيد والوثائق والحقائق والدفوع القانونية التي تؤكد سلامة ما يسمى "الموقف المصري" تمامًا من أحقية السعودية بالحصول على الجزيرتين عُرض على القضاء المصري ورفضها مرتين في حكمين شهيرين صدرا ببطلان الاتفاقية.
الحكم الأول صدر من محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، والثاني من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وهي أعلى محكمة بالقسم القضائي الإداري، وتُستأنف أمامها أحكام محكمة القضاء الإداري، في حين أن أحكام المحكمة الإدارية العليا أحكام نهائية باتة ولا يمكن الطعن عليها.
محكمة الأمور المستعجلة
هذه الأحكام القضائية النهائية والباتة دفعت نظام المنقلب الخائن السيسي إلى اللجوء لمحكمة الأمور المستعجلة، والتي عادةً ما يلجأ إليها النظام العسكري للالتفاف على بعض الأحكام القضائية التي تصدر عن محاكم متخصصة، وسلطتها تفوق سلطة "المستعجلة"، وهو ما يؤكده مراقبون وقانونيون بأن النظام الانقلابي يستخدم تلك المحكمة لفرض وتقنين رغباته السياسية عن طريق أحكام قضائية صادرة من الأمور المستعجلة.
يذكر أن محكمة الأمور المستعجلة أصدرت - عقب انقلاب 3 يوليو 2013 - أحكامًا مثيرة للجدل، ورآها كثيرون أحكاما سياسية بامتياز، منها اعتبار الإخوان "جماعة إرهابية"، وحظر حركة 6 أبريل التي اتهمتها بنشر الفوضى، وتهديد الأمن والسياحة والاقتصاد، والاستقواء بأمريكا، كما حظرت نشاط حركة "حماس" واعتبرتها وكتائب القسام "جماعة إرهابية".
وبالفعل، انتهى هذا المسار أمام محكمة الأمور المستعجلة إلى صدور قرارين ببطلان حكمي "القضاء الإداري" السابقين مع استمرار سريان الاتفاقية مع السعودية.
ومع وجود أحكام قضائية متناقضة، وافق مجلس وزراء الانقلاب العسكري على الاتفاقية، وأحالها إلى مجلس نواب الدم في 29 ديسمبر 2016، الذي وافق عليها بدوره بعد تصويت أجري بالجلسة العامة في 14 يونيو 2017، وصدق عليها قائد الانقلاب الخائن عبد الفتاح السيسي في 24 يونيو 2017.
وحاليًّا لا تزال الاتفاقية معروضة أمام المحكمة الدستورية العليا التي لا تزال تنظر منازعتي تنفيذ أقامتهما حكومة الانقلاب تطلب فيهما إبطال الأحكام الصادرة من مجلس الدولة؛ بدعوى "أنه ليس جهة اختصاص" بنظر الاتفاقيات، التي تقع ضمن "أعمال السيادة"، بحسب رأي هيئة قضايا الدولة.