واصل نظام الانقلاب العسكري الدموي تسليم الطلبة الإيجور الذين يدرسون في الأزهر للسلطات الصينية التي تزعم أنهم إرهابيون.

وكشف عدد من الطلبة الإيجوز (أبناء أقلية مسلمة تعيش في إقليم شينجيانج شمال غرب الصين) عن أن قوات داخلية الانقلاب تلقي القبض عليهم وتجري معهم تحقيقات مطولة تحت إشراف مسئولين صينيين.

كان المتحدث باسم وزارة خارجية الانقلاب أحمد حافظ قد زعم ردًّا على سؤال عن ترحيل الإيجور أنه "يتم إبعاد المخالفين أولاً بأول، ومن بينهم رعايا لجمهورية الصين الشعبية، ضمن جنسيات كثيرة أخرى".

يشار إلى أن الصين تعدُّ أحد أكبر المستثمرين الأجانب في مصر، وتضخُّ أموالاً في مشاريع البنية التحتية الضخمة، مثل إنشاء عاصمة السيسي الإدارية، وبلغ حجم التجارة بين البلدين مستوى قياسيًّا بقيمة 13.8 مليارات دولار العام الماضي.

وقبل ثلاثة أسابيع من حملة الانقلاب ضد الطلبة الإيجور، وقّع نظام العسكر والصين مذكرة أمنية تركز على "مكافحة الإرهاب"، ويحاول عبدالفتاح السيسي مجاملة الصين بتنفيذ مطالبها والخضوع لإملاءاتها.

كانت المفوضية المصرية للحقوق والحريات قد قالت في يوليو 2017: إن مصادرها التي تتواصل معها، أكدت أن العسكر قام بترحيل 12 طالبًا من طلبة الإيجور إلى الصين.

قومية تركية مسلمة

وقبل هذا الوقت بفترة، طالبت السلطات الصينية الطلاب التركستانيين بإلغاء دراستهم بالأزهر والعودة إلى تركستان الشرقية (شينجيانج)، وهددت من يمتنع عن العودة باعتقال ذويهم.

وحينها واجه من عاد عقوبة السجن ما بين 15 سنة إلى المؤبد، ووصل الأمر إلى الإعدام في حالات؛ بداعي "السعي إلى انفصال إقليم تركستان".

والإيجور قومية تركية مسلمة تسكن منطقة تركستان الشرقية التي احتلتها الصين وغيرت اسمها إلى "شنجيانج".

ويُقدّر عدد الإيجور، حسب إحصاء سنة، 2003 بنحو 8.5 مليون نسمة، يعيش 99% منهم داخل إقليم شنجيانج، ويتوزع الباقون بين كازاخستان ومنغوليا وتركيا وأفغانستان وباكستان وألمانيا وإندونيسيا وأستراليا وتايوان والسعودية.

واللغة المستعملة لدى الإيجور هي اللغة الإيجورية التي تنحدر من اللغة التركية ويستعملون الحروف العربية في كتابتها.

ويطالب سكان تركستان الشرقية، ذات الغالبية المسلمة، بالاستقلال عن الصين، التي ضمّت الإقليم إليها قبل (64) عامًا.

90 طالبًا

"بالنسبة للإيجور، إنه لكابوس أن يقوم أخوك المسلم بالسماح لمسؤولين صينيين باستجوابك.. لقد فقدوا إيمانهم.. وأصبحنا نخشى الحياة في المهجر".. بهذه الكلمات تحدث عبدالملك عبدالعزيز أحد الطلاب الإيجور في مصر متذكرًا ما جرى له قبل عامين.

وقال إنه جرى توقيفه من جانب شرطة السيسي في يوليو 2017، وتم إخضاعه للاستجواب، وهو معصوب العينين ومقيد اليدين، على أيدي مسؤولين صينيين في القاهرة.

بشار إلى أن شرطة الانقلاب أوقفت "عبدالعزيز"، في وضح النهار مع مجموعة من أصدقائه، وتم اقتيادهم إلى قسم شرطة مدينة نصر وسأله المسؤولون الصينيون عما يفعله في مصر.

وكشف "عبدالعزيز"، وهو اسم مستعار للطالب الإيجوري، حفاظًا على حياته أن المسؤولين الصينيين تحدثوا معه باللغة الصينية، وخاطبوه باسمه الصيني لا الإيجوري.

وأكد أنه تم توقيفه وأكثر من 90 طالبًا من طلاب الإيجور، مشيرًا إلى أن حملة داخلية الانقلاب استمرت ثلاثة أيام في الأسبوع الأول من يوليو 2017، وكان "عبدالعزيز"، آنذاك طالبًا يدرس العلوم الإسلامية في جامعة الأزهر.

وأضاف "عبدالعزيز" أن "شرطة السيسي أبلغتهم أن الحكومة الصينية تقول إنكم إرهابيون، لكننا أجبنا أننا طلاب في الأزهر فقط" موضحًا أنه بعد بضعة أيام من الاستجواب في قسم الشرطة، تم إرساله إلى سجن طرة ثم أطلق سراحه بعد احتجازه 90 يومًا، وسافر إلى تركيا في أكتوبر 2017.

عربات سوداء

وروى "شمس الدين أحمد" (26 عامًا) طالب إيجوري تفاصيل توقيفه، وقال: توقفت عربات سوداء لا تحمل لوحات معدنية أمام المسجد الذي كان يصلي فيه، وقام نحو 5 من رجال الشرطة بتوقيف عدد من المصلين الإيجور، مشيرًا إلى أنه تم نقله ومن معه إلى طرة.

وأضاف "أحمد": "شعرت بالخوف عندما وصلت إلى هناك.. كان الظلام شديدًا، وقلت لنفسي: كيف سنخرج من هنا؟" مؤكدًا أنه كان خائفًا من تسليمه إلى السلطات الصينية".

وكشف عن أنه داخل السجن تم تقسيم سجناء الإيحور إلى مجموعتين كبيرتين، تضم كل واحدة من 45 إلى خمسين شخصا، ثم نقلوا إلى زنزانات كبيرة لمدة أسابيع.

وقبل أسبوعين من إطلاق سراحهم، تم تقسيم الإيجور وغيرهم من المسلمين الصينيين من أصل عرقي مختلف إلى ثلاث مجموعات وأُعطيت كل مجموعة لونًا معينًا: اللون الأحمر لمن سيتم ترحيله، والأخضر لمن سيُخلى سبيله، وأخيرًا الأصفر لمن سيتم توجيه مزيد من الأسئلة له.

وقال "أحمد": إن حراس السجن قيّدوا أيدي السجناء وعصبوا أعينهم ثم نقلوا العديد من أفراد المجموعة إلى شاحنات متجهة إلى أقسام شرطة القاهرة.

وأضاف أنه خلال 11 يوما في الحبس، استجوبه 3 مسؤولين صينيين عن والده على وجه التحديد؛ حيث كان يعيش في إقليم شينجيانج، ووكيف يرسل له المال.

وكان "أحمد" في المجموعة ذات اللون الأخضر؛ ما يعني أنه سيتم إطلاق سراحه في النهاية، وفي أوائل أكتوبر 2017، سافر إلى إسطنبول.

الألوان الثلاثة

ما حدث مع "عبدالعزيز" و"أحمد"، أكده "عبدالولي أيوب"، أستاذ علم لغويات الإيجور مقيم في النرويج، وقال إنه سمع روايات مماثلة من موقوفين آخرين.

وأضاف "أيوب"، الذي أجرى أبحاثًا عن مجتمع الإيجور في مصر: "إنها الممارسة والتكتيك المطبق في معسكرات الاعتقال في الصين لا أعتقد أنها صدفة".

وتابع: "السلطات الصينية تستخدم الألوان الثلاثة نفسها للإيجور المحتجزين".

وأكد "دارين بايلر"، عالم الأنثروبولوجيا بجامعة واشنطن أن "محاولات مماثلة قام بها مسؤولون صينيون في تايلاند وفي أماكن أخرى"، لتسليم إيجور مغتربين.

وقال: "لكن الاستقلالية التي سمح بها للسلطات الصينية في مصر غير مسبوقة".