بسم الله الرحمن الرحيم

الثورة وسنة التدافع
بقلم: د. محمود عزت
نائب المرشد العام للإخوان المسلمين
والقائم بعمل فضيلة المرشد العام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. وبعد؛

فإنه لشرف لنا، نحن الإخوان المسلمين، أن نعمل لأمتنا وشعوبنا في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا, وإنه لعزيز علينا ما أصاب أمتنا وشعوبنا من الطغاة والمستبدين والمفسدين، من عنت وظلم وإهانة لكرامتهم وتضييع لمعايشهم وتقييد لحرياتهم وظلم اجتماعي واهدار لإنسانيتهم، فشاركنا مع من شارك في ثورة سلمية أبهرت العالم إلى حين، وبعثت الأمل في الإنسانية في قدرة الشعوب على صناعة حضارة راقية، بعد أن أخفقت وانتكست حضارة الطغيان المادي، بثورة كان أهم شعاراتها في مصر (عيش – حرية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية).

هذا الشعار المعبر عن التطلعات الفطرية التى أقرها الإسلام وجعلها من مقاصد شريعته, وبلغ بها أعلى درجات الكرامة الإنسانية، بأن وعد سبحانه من فعل ذلك ابتغاء مرضات الله "فسوف يؤتيه أجرا عظيما", فكان الإخوان بفضل الله من أشد الناس حبا لهذا الشعب ولهذه الأمة، فبادلهم الشعب حبا بحب وثقة بثقة، وظهر ذلك في كل عمل اجتماعي أو اصلاح سياسي أو عمل ثوري، مضى وفق سنة الله في دفع الناس بعضهم ببعض.

لقد تعددت أشكال التدافع، بين جيل الثورة، وفي القلب منهم الإخوان المسلمون، وحوله حاضنة شعبية متنامية، وبين أعداء الثورة، وفي القلب منهم الإنقلابيون، وحولهم حاضنتهم الصهيونية والإقليمية والعالمية المتنامية أيضا، واستعصت ثورات الربيع العربي عموما، والثورة المصرية خصوصا، على الإجهاز عليها أو استئصالها أو اخمادها، واستمرت ثورة مصر في النضال الثوري المبدع، تدفع به محاولات الخديعة والتمزيق والتفتيت، من خلال إثارة البغضاء والشحناء، باختلاق الكذب أو ترديد الإفك في غفلة وعدم وعي من أخوة النضال.

وبلغ هذا التدافع ذروته في منع الاستدراج إلى مستنقع العنف الذي أعده أعداء الثورة، من الصهاينة ومن خلفهم الانقلابيين، ليغرق فيه المخلصون والباذلون لأرواحهم في سبيل ثورتهم، وكان من التدافع أيضا منع المساومة علي ما تحقق من مكاسب الثورة، فلا تنازل عن الحرية والكرامة مقابل العيش أو ضرورات الحياة, وكان من هذا التدافع منع الالتهاء عن النضال الثوري بالجدل حول ما سمي حلولا إنسانية أو مبادرات سياسية، لا تهدف إلا لتهوين العزائم والإضلال عن الحقائق والانحراف عن الثوابت.

إننا نربأ بشبابنا المخلصين أن يستدرجوا هذه المرة إلى مستنقع الجدل المذموم (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به)، ثم أشاعوه على صفحات التواصل الاجتماعي أو في منتدياتهم وتجمعاتهم، فهلا استمعنا إلى نداء الحق من فوق سبع سماوات (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم).

فيا أيها الشباب الثائر ويا أيها الرجال الأحرار و يا أيتها النساء الماجدات نحسبكم ما أردتم إلا الخير، أقول لكم إن واجب الوقت هو أن ترابطوا مع المرابطين، وتأخذوا على أيدي الظالمين, وأنتم أيها الصابرون المثابرون علي نضالكم الثوري السلمي المبدع، اذكروا نعمة الله عليكم أن عصمكم من الانحراف عن هذا النضال أو الخطأ فيه أو الخديعة بغيره، افسحوا صدوركم للغيورين علي الحق وبينوا لهم الرؤية الصحيحة، وأهدافها العامة ومفاهيمها الأساسية أنشروها علي صفحات التواصل.

تعاهدوا بعضكم بالنصح, فلا مناقشة لشائعات أو مساومات، ولا تضييع لأوقات في مناقشة خصوصيات فصائل الثورة من مخالفات وقع فيها من وقع لافتقاده الرؤية الصحيحة، فعلينا أن نوضح الرؤية لا أن نناقش أحداث الخلاف، ولا أن نضيع أوقاتنا في تفصيلات تخص المشتغلين بها.

ثم أقول للإخوان خاصة.. إننا بايعنا، فيما بايعنا الله تعالى عليه، على الأخوة التي أدناها سلامة الصدر وأعلاها الإيثار، فسلامة الصدر مطلوبة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، ولا تتحقق في العسر والمكره إلا بالإنصاف من النفس، فإذا تحقق الإيمان في قلوبنا، وتأكدت الأخوة فيما بيننا، ووضحت الرؤية لدي جموعنا، انتظمت الصفوف، وهانت التضحيات، وتخطينا الصعاب، واجتزنا المحن، ومضينا في التطوير المنشود، وعندها نكون حينئذ من المسارعين في الخيرات (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، (والله غالب على أمره).