بعد نحو عام وسبعة أشهر، وفى ذكرى ثورة يناير الرابعة، بدأت الصورة الحقيقية تتجلى وتتضح أمام العالم أجمع، فتلك الصورة التى تطايرتها وكالات الأنباء عن استشهاد متظاهرة يسارية ضربت بالرصاص أثناء رفعها باقة ورود تخليدا لأرواح الشهداء، تلاها إصابة شاب مسيحي فى ميدان المطرية برصاص قوات الأمن، أثبت للعالم أجمع، المتعامي، بقصد، عما يحدث فى مصر، أن هناك ثورة وغضب مشتغل، بين أمة أجهضت أحلامها، وشعب لم يعش شبابه.


منذ حراك ال30 من يونيو المعادي للثورة والحرية، وهناك ألة قمع جبارة تعمل ضد الشعب المصري الرافض للرضوخ لانقلاب عسكري دموي، مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الصهيوني يوازي ألة القتل و الكراهية تلك، ألة دعاية نازية، ليست أقل اجراما فى حق المصريين. لكن كل ذلك بدا هزيلا وضعيفا أمام ارادة الشعب الغاضب الذى لم يرضخ حتى الآن، لسلطة همجية ونظام حكم لم تعرف مصر مثيلا له من قبل.


خلال أسبوع ذكرى الثورة وماتلاه، تأكد العالم بأسره أنه بصدد نظام مهترئ غير مستقر، لا هو تقدم ولا هو أنجز، اللهم الا فى قمع الاسلاميين وتعذيبهم، والعمل على تأمين "الكيان الصهيوني "، ودعم استمرار القوات الوحشية لخليفة حفتر فى الشرق الليبي.


الحراك الثوري و التطور النوعي فى الأداء على الأرض، تزامن مع وفاة الراعى و الكفيل الأول للانقلاب العسكري، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الأمر الذى سبب صدمة كبيرة فى الوسط الانقلابي المصري، إذ لا يمكن بحال من الأحوال أن تستمر السعودية فى دعم نظام لمدة أطول من تلك المنقضية والمقاربة على عامين، بينما يواجه بثورة قوية فى الداخل سنتهتي حتما بالاطاحة به، و تواجه السعودية نفسها تغيرات غير مسبوقة علي كافة حدودها، وحصار غير مسبوق، سيظهر تأثيره فى فترة زمنية مقبلة لن تطول.


السعودية التى أجهض نظام الملك الراحل فيها ثورة اليمن وسلم الدولة للحوثيين نكاية فى الاخوان المسلمين، تخشي من جيرانها الجدد فى الجنوب، وهما مشابهان لجيرانها فى الشمال، فبجانب الحوثيين، الشيعة المدعومين من ايران، يوجد تنظيم القاعدة جنوبا، وبجانب ميلشيات الحشد الشعبي والنظام الطائفى فى العراق، شمالا، يوجد تنظيم الدولة، وهو تنظيم ذو قدرات عالية، لم يتمكن تحالف دولي من 60 دولة من التأثي عليه حتى الأن.


يضاف إلى المشهد وبعيدا عن السياسة الدولية والحراك الثوري القوي فى الشارع، وهو الأساس، دخول عنصر ثالث جديد ومؤثر وسبب صداعا كبيرا فى رأس النظام وأبواقه الدعائية، وهو وسائل الاعلام المناهضة للانقلاب العسكري، فهذه القنوات، رغم امكانياتها المالية والفنية المتواضعة، بدأت تتبني خطابا ثوريا جاذبا للجمهور الرافض لقنوات النظام العامة منها والخاصة، والباحث عن مادة إعلامية تشبع احتياجاته فى مادة اعلامية، مرضية.


قنوات مكملين ورابعة والشرق ومصر الآن، إلى جانب تغطية مهنية ومقبولة من قناة الجزيرة الاخبارية وهي الأكثر مشاهدة حتى الآن في الوطن العربي، جعلت النظام يشعر بان الأمور باتت تفلت من قبضته الأمنية الوحشية.


 صاحب هذا التطور فى الأداء الثوري الشعبي والاعلامي، اعترافات بالجملة بسوء الوضع والتأمر مع الجيش على أول رئيس منتخب، كان أبرزه ماقاله محمد البرادعى نائب الرئيس المؤقت الذى عينه قائد الانقلاب، بأن الجيش استخدمه للانقلاب، ثم خدعه ولم يعد له مكان فى مصر بعد هذا. 


هذا الاعتراف صاحبه اعترافات إخرى لكتاب وسياسيين صنعوا مشهد 30 يونيو المزيف، ووصل بهم الأمر لتمجيد قائد الانقلاب نفسه، باعتباره شخصية تاريخية، مثل علاء الأسواني.


هذا التطور المتلاحق والسريع فى زيادة الغضب الشعبي ودخول قوي جديدة اكتشفت أن النظام لا يفرق بين حياة شخص اسلامي أو علماني ويضرب الجميع بالرصاص الحي بدم بارد، جعل كثير من صبيانه يخشون السقوط المفاجئ، ويعولون على مؤتمر اقتصادي مزمع تنظيمه فى مصر فى مارس المقبل، وكأنه سبيل الخلاص وطوق النجاة لهم جميعا متناسين تماما أن الأحداث الجارية فى مصر دفعت جزء مهما من الاستثمارات الخارجية للخروج من مصر، وبلغ العائد من السياحة أسوأ معدلاته، لدولة يرفع نظامها ووسائل اعلامها، شعار محاربة الارهاب المحتمل، والذي تحول مع نظام دموي إلي واقع.

قنبلة لكل مواطن أصبح الشعار الجديد فى مصر، غير المرفوع بصورة رسمية، إذ أن معدل التفجيرات اليومية بلغ حدا فاق الوصف، ويجعل كل أصابع الاتهام تتجه للأجهزة الأمنية، التى تريد أن تحكم شعبا ثائر بالقتل والتخويف.

تطور الأداء الثوري المصري، وتزايده بعد 4 سنوات يؤكد أن المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية تخشى من عواقب انفلات الأمور، فالشخص الذي عمل لصالحها وخان رئيسه يبدو حتى الآن مهددا بالسقوط،ولم يستقر له شئ حتى الآن لذلك فان فكرة انقلاب على الانقلاب حتى وان بدت بعيدة التحقق، فانها قد تكون خيارا تلجأ له أمريكا تحت ضغط شارع قوي ومزلزل، لكن لا أمريكا ستسيطر على عملائها، ولا الشعب سيرضي بهم.

-------
كاتب وصحفي