لا يخفى على أي مصري بالداخل أو بالخارج أو أي إنسان في العالم مهتم بالشأن المصري أن الإعلام يشن حربًا قوية على تجربة التحول الجديد في مصر بعد الثورة.

 

وهذا له أسبابه العديدة، من أبرزها: مصادرة الإسلاميين أن ينجحوا في تجربتهم، والخوف على مصالح النظام القديم، وخوف رموزه من المحاكمات العادلة، وليست الهازلة مثل الذي نراه اليوم ويجري أمام أعيننا وسط ذهول وخمول.

 

ووراء هذا وذاك قوى عالمية لا يسرها أن تستعيد مصر دورها، وريادتها وقيادتها التي عرفت بها على مر التاريخ، وفي هذا ما يشكل تحديًا لهم، وخطرًا يهدد مصالحهم، وفرصة لبروز مارد جديد في المنطقة من شأن خروجه وبروزه أن يعيد تشكيل المنطقة والعالم، وأن يغير الأولويات والموازنات، وأن يجعل الجميع يرتب أوراقه ترتيبًا جديدًا.

 

ذلك الإعلام الذي يقود قنواته أو أغلبها رجال أعمال الحزب الوطني الذي شكل كتلاً من الفساد متماسكة في كل مؤسسات الدولة، ويعمل ليل نهار لإفشال الرئيس الجديد وحكومته.

هذا الإعلام يركز دائمًا وأبدًا على السلبيات، بل يجعل من الحبة قبة ومن القط جملاً، فيضخم التوافه، ويهون العظائم؛ فضلاً عن اختلاق الشائعات، وترويج الأكاذيب، وقلب الحقائق، بما يجعل الناس في حال دائمة من القلق والاضطراب والتشاؤم والإحباط، وهذا ما يريده هذا الإعلام لمزيد من السخط على الثورة، والرئيس الجديد، والتحسر على أيام المخلوع، بما يؤدي إلى ثورة جديدة وخروج على الرئيس المنتخب، ولا يذكر بحال من الأحوال أي ميزة أو إيجابية للرئيس وحكومته، ولا يذكرون، بل يخفون أي إنجاز يجري، أو أي نشاط يحدث في الداخل والخارج تحقق فيه الرئاسة نجاحات وأهدافًا، وما أكثرها.

 

كما أن هذا الإعلام لا يسلط الأضواء إلا على كيلو متر مربع أو اثنين من الكيلومترات على الأكثر، في التحرير، وعند الاتحادية، يركز كاميراته على بضع عشرات أو بضع مئات، وهم يخربون ويحرقون ويدمرون ويفسدون ويجرحون ويقتلون، ويصورون البلد على أنه هذا، ولا يوجد شيء آخر في طول البلاد وعرضها إلا الدماء والقتل والدمار والخراب.

 

ولا شك أننا جميعا نتساءل: أين الرئاسة؟ أين الرئيس؟ لماذا لا يكلم الشعب ويصارحه؟ لماذا يسكت على هذا التخريب والتقتيل والتدمير؟ هذه أسئلة تلح على عقل كل مصري شريف يريد لثورته النجاح، ولوطنه التقدم والازدهار.

 

إن الحل من وجهة نظري أن تنشئ مؤسسة الرئاسة جهازًا إعلاميًّا جبارًا، يعرض إنجازات الرئاسة ونشاطها اليومي، ويتواعد فيه الرئيس مع الشعب أن يقدم خطابًا كل أسبوع أو عشرة أيام أو أسبوعين على الأكثر لتتابع الأحداث وتسارعها بما يوجب أن يكون هناك خطاب مواكب يوضح للناس الحقائق، ويمحو ما في أذهانهم من شبهات، ويعترف أيضًا بالحقائق والأخطاء إن وجدت.

 

ويقوم هذا الجهاز بعرض دوري لكل وزارة تعرض فيه واقعها، وما فيها من خراب ودمار، وتذكر خطتها للإصلاح والتغيير، وتبرز ما أنجزته فيما مضى، وما تقوم به الآن، وما يتوقع أن تقوم به في الأيام المقبلة، ولا يخفاكم ما لهذه المؤتمرات الصحفية من فوائد: فلو لم يكن لها فائدة سوى تطمين الناس لكفى، ولو لم يكن لها إلا إظهار كفاءة الرئاسة والوزارة لكفى، ولو لم يكن لها إلا إشغال الإعلام وإلهاؤه عما يخططه ويدبره من إجرام وتحريض لكفى، ولو لم يكن لها إلا أن يلفظ الشعب المعارضة المجرمة- لا المعارضة الموضوعية- لكفى، وذلك من خلال ما يشهده الشعب من إنجازات، وهؤلاء يعطلونها، ولو لم يكن لها إلا التبكير بأن يوفق المجرمون أوضاعهم مع النظام الجديد اليقظ والمنجز، فيكفينا الله شرهم مبكرًا لكفى.

 

إننا بحاجة إلى إعلام قوي يواجه هذا الإعلام المتجبر المجرم الذي يسعى حثيثًا لتخريب البلاد وإنهاك العباد، والوصول بالبلاد إلى الإغراق لا الإنقاذ، وإلى الدمار لا العمران.

 

--------

* رئيس مركز بناء للبحوث والدراسات.