قصة التراب بدلاً من الإسمنت الذي وجد في عمارة الإسكندرية المنهارة ليست مجرد حالة إنما كانت شعار مرحلة.. مرحلة طويلة زمنيًّا تمتد لعشرات السنين، واسعة جغرافيًّا تمتد من الحدود إلى الحدود، في كل وزارة في كل مجال تجد حالة التراب الذي حل مكان الإسمنت، كل وزارة فيها ترابها فيها فسادها ومفسديها، والرديء الذي طغى عليها.

 

ففي المباني كان الأمر طبيعيًّا حتى دخل التراب مع الإسمنت دخل الغش في عصر مبارك مع فساد الذمم والضمائر، كانت نسبة الفساد قليلة وتعاظمت شيئًا فشيئًا حتى أصبح الفساد هو القاعدة وظهر ذلك وانكشف في زلزال 1992، حين كانت الانهيارات الأكبر في المدارس والمستشفيات والمباني التي أشرف على بنائها جهات الفساد في الإسكان والمحليات، بينما ولتتضح الفضيحة ظلت المباني القديمة والتي بنيت بطرق بدائية وتكلفة أقل بأيدي أصحابها، ظلت صامدة لتفضح رجال الفساد، ثم دخل الاستثمار العقاري على الخط بما فيه من إغراء لأطراف الفساد في هذا المجال، المقاول وأطراف الإشراف الحكومي وشبكات المحليات.. يتم الترخيص لعدد قليل من الأدوار ويتم التأسيس بناء عليها.. ثم تتم تعلية لأدوار أخرى وتباع وتعلية أخرى وأخرى على نفس الأساسات الضعيفة والكل مستفيد.. ومع الوقت تزداد الجرأة بمزيد من الأدوار ومزيد من الرداءة في التنفيذ حتى وصلت الأمور في نهاية عهد مبارك للتراب بدلاً من الإسمنت.. لتسقط العمارات.. ويكون هؤلاء الفاسدون في مقدمة المتظاهرين يصيحون.. ماذا فعلت بنا يا مرسي.

 

تراب بدلاً من الإسمنت مبدأ وحالة وشعار كان أيضًا في السكة الحديد، صفقات العربات التي تعتمد على حجم العمولة للمشترين بدلاً من مواصفات الجودة، مخصصات الهيئة ودخولها بالمليارات تصرف كلها بدلات لأعضاء مجلس الإدارة وكبار الموظفين وتبادل المنافع مع المقاولين والشركات.

 

مساحات هائلة من الأراضي منزوعة الملكية حول شريط السكة في كل قرية ومدينة بطول مصر وعرضها.. تم وضع اليد والاستيلاء عليها منذ زمن لصالح أناس تم السكوت عليهم ما دام المعلوم يدفع بانتظام لمهندس المنطقة.. بدلاً من أن يتم الاستفادة منها لصالح تجديد الخطوط والمزلقانات أو حتى كبدلات للعمال على الخطوط والمزلقانات ليؤدوا أعمالهم بضمير.. ثم نجد الكوارث بعد الكوارث والفاسدون في أماكنهم ويصيحون أيضًا في وجه مرسي.

 

المبدأ نفسه في وزارة الصحة.. إحلال الرديء مكان الجيد منذ زمن في كل شيء في العناية والنظافة والمعدات والإدارة وحتى في ذمم وضمائر الأطباء وأطقم التمريض حتى أصبح الفساد سمة وعنوانًا ووصلنا إلى المستوى الذي نعرفه جميعًا من الخارج كأنها مستشفيات لكنها في الحقيقة شيئًا آخر.

 

نفس العنوان والمنهج في التربية والتعليم كأنها مدارس.. ونفس المبدأ.. القبيح مكان الحسن والفساد مكان الصلاح حتى أصبحت الدروس الخصوصية هي الحقيقة الكبرى في العملية التعليمية بيوتًا وغرفًا متواضعة رديئة لكنها تبيع التعليم ومدارس ضخمة للتربية والتعليم لا تعلم إلا البلطجة ووسائل الانحراف.. ملتقى للمدرسين مع الطلاب للاتفاق والتعارف؛ تمهيدًا للالتقاء مرة أخرى في المساء في غرف الدروس.

 

الشعار نفسه في كل مجال.. في الكهرباء والبترول والتموين.. إلى آخره بل وفي الشأن السياسي كانت كأنها انتخابات وكأنها معارضة وكأنه حزب حاكم ولم تكن إلا عصابات من الفاسدين على الحقيقة والفساد والفساد وتراب بدلاً من الإسمنت.

 

إننا جميعًا رأينا والكثير منا شارك لكننا أيضًا بالتأكيد في هذا العهد الجديد مدعوون جميعًا للمشاركة وتحمل المسئولية في إعادة الأمور إلى نصابها ووضعها الصحيح لتكون المباني للسكن وليس الموت والقطارات وسيلة للمواصلات والمستشفيات للعلاج والمدارس للتربية والتعليم والانتخابات لإفراز حكومة وحزب ليحكم ومعارضة بناءة.. ليكون التراب في مكانه يسير الناس عليه ويستخدم للزراعة والإسمنت مكونًا من مكونات البناء.