كلمات خالدة.. لا يهم من قائلها وفيم قالها، إنما الذي يهم هو معناها ومغزاها.. إنها كلمات لا تصدر إلا من حبيب لحبيبه، ومن قريب لقريبه، فالمحب إذا زاد حبه، وكثرت عواطفه نسي نفسه وما لها من حقوق تجاه محبوبه، في حين تشغل فكره واجبات عليه يَسعد حبيبه بها عندما تُقدّم إليه.

 

كلمات رقيقة، قد تصدر من قلب أم عطوف لفلذات أكبادها تغذيهم بحنانها، وتغمرهم بظلالها، دون أدنى مقابل سوى لذة العطاء، أو من أب رحيم يتفصّد جبينه عرقًا وينحني ظهره جهدًا؛ ليرسم بسمة على شفاه أبنائه؛ ليرى فرحة في أعينهم تحوّل ألمه راحة ونعيمًا، دون أن يسألهم برًا أو إحسانًا.

 

قد تصدر من شاب وفيّ إلى أمه المسنّة، أو أبيه العجوز؛ ليفرش لهما جناح الذل من الرحمة، فيجلس تحت أقدامهما، لا ينتابه ضيق نفس، ولا يعتريه عبوس وجه.

 

وقد تجول تلك الكلمات بخلد زوج تجاه زوجه- من الرجل للمرأة أو من المرأة للرجل- يهب له الحب كله، فيجعل مهدهما رحمة، وغطاءهما مودة، ثم يرى محاسن زوجه لآلئ تلمع، وعيوبه ذرات تحت الأقدام.

 

وقد تكون من جار إلى جاره؛ فتسطع أشعة الحب من باب إلى باب، فيملأ الدفء أركان البيوت، لا يبيت شبعان وجاره جائع، ولا يكُفّ كريم عن بذل لذي حاجة.

 

ماذا لو عاش الناس بتلك الكلمات الجميلة؟ وبهذه المعاني الأصيلة؟ هل يبقى من درنهم من شيء؟!!

 

إن هذه الكلمات لا نسمعها إلا من ذي لُب وعقل رشيد، تحدّق عيناه فيما يراه واجب عليه، ودين في رقبته، فيُعمل عقله فيما هو محاسب عليه، مآخذ به، في حين يتغافل لما له، فيغضّ الطرف عما يجب على الآخرين تجاهه، فكلّ لا يُكلّف إلا نفسه، وكل نفس بما كسبت رهينة (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) (الإسراء: 13).

 

إنني ليس لي حقوق وإنما عليَّ واجبات.. كلمات تخرج من قلب مفعم بالإيمان، ترى عيناه السعادة.. كل السعادة في إسعاد الآخرين، ويسكن نفسه الرضا.. كل الرضا إذا ما ارتاح الآخرون، وقد ألفت جوارحه العطاء فلا تتقن ولا تجيد إلا البذل، ولا تفرح ولا تستمتع إلا بالكرم.

 

"إنني ليس لي حقوق.. وإنما عليَّ واجبات".. هل تذكرون قائلها؟!

 

إنه رجل مصري الأصل، نشأ من تربة مصرية خصبة، شرب من نيلها العظيم، وترعرع بين أغصانها الغضة، وتشرب من أهلها، وطيبة أرضها.

 

إنه رئيس جمهورية مصر العربية، د. محمد مرسي الذي اختاره شعبه فأخرجه من بين جنباته، وحمله إلى قمته، فظهر حاملاً معه عبق الطابع المصري الأصيل، وممثلاً حقيقيًّا لطيبة قلوب المصريين، ونائبًا عن مشاعرهم الصادقة، وسرائرهم النقية.

 

إن نقاء الفطرة، وذكاء السريرة لهما المكوّن الرئيسي للمعدن المصري الأصيل، وإن بدا على السطح خبث، أو ظهر في الصورة بعض الغبش.

 

ولعلنا نتعجب مما نراه اليوم في إعلامنا من أحقاد دفينة، وقلوب غليظة فظة، لا تفهم لغة الود، ولا تقدّر قيمة العطاء، وما نسمعه من ألسنة حداد أشحة على شعبها، جاحدة لبلادها، ناكرة لأصلها، هؤلاء إذا أكرمتهم مكروا، وإذا أحسنت إليهم أساءوا، وإذا مددت إليهم يد العون فلا ترى إلا يد الغدر والخيانة.

 

هؤلاء لن تدوم لهم راية، ولن تتحقق لهم غاية: فهم كالزبد يذهب جفاء، ثم يبقى ما ينفع الناس حتى يمكث في الأرض يرويها بحب، ويرعاها بجهد.

 

إن الشعب المصري الأصيل يبدو كماء البحر لا ينجس مهما أُلقى فيه من قذر، وإنما يبقى على طهارته، وفطرته التي فطره الله عليها، إلى أن يلقى ربًّا رحيمًا، يشكر جهده، ويجازيه بالإحسان إحسانًا، بعد أن يمنحه من خير الدنيا ونعيمها، جزاء صبره على بلواه، وثباته في شدائده.

 

فيا أيها الشعب العظيم.. طهّر نفسك، وابن بيتك، اعف واصفح، وابذل وامنح.

 

وليكن شعار كل محب لبلاده عاشق لأهله: "إنني ليس لي حقوق.. وإنما عليَّ واجبات".