والد الشهيد للنخب السياسية: 

- اتقوا الله نحن في سفينة إذا غرق أسفلها هلكنا جميعًا 

- أبنائي مشاريع شهادة في سبيل الدين والوطن 

- أسامح من قتل "محمد" فالإخوان لا يحملون حقدًا ولا يعرفون الانتقام 

- والدة الشهيد: آخر كلماته "يا ماما ادعيلي بالشهادة"  

- كان حافظًا للقرآن كثير الصيام بارًّا بأهله 

- مات قبل أن يرى "استشهاد" وغدًا ستفخر بوالدها        

- أصر على زيارة أقاربنا وتوديعهم قبل استشهاده بيوم

 

حوار: سماح إبراهيم  

ارتشعت أناملي وتجمدت الدماء في جسدي حينما أبلغني المهندس ممدوح الحسيني مسئول الإخوان بالقاهرة الجديدة وأمين حزب الحرية والعدالة فور دخولي منزلهم أن السيارة التي أقلتني إلى القاهرة الجديدة هي سيارة الشهيد محمد ممدوح الحسيني التي يحبها وشاهدت معه أجمل الذكريات مع أحبابه وإخوانه وأقاربه.

 

"إخوان أون لاين" التقى بأسرة الشهيد بمنزله, فهو الابن الأكبر الأكثر نضجًا وبرًا والتزامًا, عريس الجنة الذي لم يتجاوز من العمر 33 عامًا، والذي راح ضحية أحداث الاتحادية يوم الأربعاء الموافق 6/12 /2012 بطلقات نارية غادرة على أيدي بلطجية أتباع جبهة الإنقاذ الوطني ومن داخل منزله, شاهدنا أريكته المفضلة, وحول هذه المائدة كان يجلس هو وزوجته ليجتمع بعائلته في جوٍّ أسري دافئ, وفي هذا المكتبة التي تحتوي على كتبه المفضلة ومصحفه وسبحته وأوراقه كان يمكث لساعات طويلة.

 

رحل الشهيد وترك بصمته وصورته الباسمة بعد أن لاقى ربه بجدران البيوت والقلوب.

 

تفاصيل المؤامرة 

يقول المهندس ممدوح الحسيني والد الشهيد: إن محمد كان حريصًا على الموازنة بين وظيفته كمهندس بإحدى الشركات العالمية وبين واجبه السياسي والدعوي, باعتباره عضوًا مؤسسًا بحزب الحرية والعدالة, وحينما علم بأن هناك مؤامرات لاقتحام قصر الاتحادية وشعر بالخطر, سارع إلى هناك وتصدر الصفوف الأولى بشارع الخليفة المأمون؛ لتأمين قصر الاتحادية من اعتداءات البلطجية والمعارضين لقرارات الرئيس محمد مرسي.

 

يضيف: وكنت دائم التنقل من مكان لآخر للتواصل مع باقي القيادات وللاطمئنان على سلامة الحرجي والمصابين على أيدي بلطجية فلول النظام, ووصلتنا أنباء عن توافد وهجوم البلطجية بشارع الميرغني, وأعطيت تعليمات للشباب بشارع المأمون بعدم ترك أماكنهم فقوات الشرطة على وصول وستقوم بواجبها لمنع أي اشتباكات وحماية القصر, وبالفعل وصلت قوات الأمن ومعها حواجز حديدية للفصل بين المؤيدين واعتداءات البلطجية، وأثناء ذهابي لشحن هاتفي بسيارتي بجوار القصر, وجدت محمد يقف أمامي ويقول لي إن  قوات الشرطة انسحبت من شارع الميرغني بشكل مفاجئ يثير الريبة, وقال لي محمد "أنا رايح أشوفهم يا بابا ادعيلي"، فناولته طبق تمر, فأخذ منه 3 ثمرات, وذهب شهيدًا إلى ربه، حاولت الاتصال به أكثر من مرة ولم يرد, وفي حوالي الساعة الواحدة والنصف اتصل بي أحد أصدقاءه وقال لي "ابنك مات!! بثلاث طلقات في الصدر والرأس والذارع اليمنى.

 

وقال والد الشهيد إن المسعف أخبره بأن آخر كلمات كان ينطق بها الشهيد هي "أوعوا تسيبوا المشوار اللي بدءنا, شرع ربنا, موتوا في سبيله".

 

ومسح بيده دموعه قائلاً: "أنا زعلان عشان ما قدرتش إخلاصه, محمد صدق الله فصدقه, لاقاه مقبل غير مدبر" مدافعًا عن وطن يحاول أعداؤه من المخربين الذين لا يريدون لمصر الخير, مدافعًا عن حقوق شهداء ثورة يناير, فلم أشعر بالندم لثوانٍ, بل أطالب الرئيس باستكمال مشروع التطهير وأقول له وبقوة "امضي على بركة الله ونحن معاك اثبت ولا تتراجع".

 

فابني ليس له حق لأهل الدنيا, حقه عند ربه وقد وفَّى, وغير قلق عليه فلقد رأينا منه في حياته ما يُطمئننا, فكان الشهيد حريصًا على حضور الدرس التربوي مع إخوانه بالتجمع الخامس, مشغوفًا بمتابعة مستجدات القضية الفلسطينية والسورية, يحب العطاء فكان رحمه الله يشارك باللجان الإغاثية وجمع التبرعات بشكلٍ شخصي, وترك بصمته الخاصة في حب عمل الخير, فكان حقًا لا يجد بابًا من أبواب الخير يعرفه إلا وطرقه.

 

المكالمة الأخيرة 

 

 والدة الشهيد

وتقول والدته في صباح يوم استشهاده جلس بجواري وقال لي "تعالي يا ماما اقعدي جنبي, هوريكي فيديو سياسي هيعجبك أوي, فجأة لقيته بيقولي "أنت بتدعيلي بالشهادة ولا لأ يا أمي!!

 

كان يسألني الشهادة دائمًا ويجعلني أشاهد أفلامًا وصورًا وثائقية للشهداء بفلسطين, ويقول لي  شايفة يا ماما, سامعة, ويكرر بحماس "الجنة يا ماما الجنة", ويتعمد أن يجعلني أتابع حديث أمهات الشهداء على القنوات, ويردد وهو يتابع تعبيرات وجهي, شايفة يا ماما صابرين ومحتسبين ازاي!.

 

وذكرت أن آخر مكالمة هاتفية تجمع بينهما كانت في الساعة 11 مساءً يوم الحادث, وقالت له فيها "ارجع يا محمد, عشان أبوك تعبان, أنا مستنياكم, متتأخروش" وبعد مرور ساعة عودت الاتصال به, ولكنه لم يرد, اتصلت بوالده فلم يرد هو الآخر, حينها بدء قلبي يدق خوفًا, وبعد دقائق سمعت صوت هاتفي, وبدأت في التقاط أنفاسي ولكن المتصل كان أحمد ابني الأوسط, قال لي جملة واحدة  "أنا جاي يا ماما أتكلم معاكي شوية؟!

 

كان يعلم باستشهاد محمد ولكنه لم يستطع إخباري بالحقيقة, قال لي إن محمد أصيب أثناء الاشتباكات, فزع قلبي وظللت أردد "اتصاب إزاي ونوع الإصابة إيه؟ فاحمرت عينه ولم ينطق, وإذا بعبد الرحمن أخوه الأصغر يدخل علينا ويحضنني بشدة وهو يبكي ويقول لي بصوت متقطع:  "محمد استشهد يا أمي, محمد استشهد! لم أصدق أو استوعب ما حدث وشعرت بحالة من الانهيار ولساني يردد: "إنا لله وإنا إليه راجعون".

 

مواقف لا تنسى 

 

 شباب يحملون صورة الشهيد محمد ممدوح الحسيني خلال الجنازة

وقف القلم عاجزًا عن الكتابة أمام دموع أم الشهيد وهي تتذكر وتروي مواقفها مع الشهيد وتفاصيل لا يمكن نسيانها حفرت بدقة بذاكرتها تجمع بينهما.

 

محمد دائم الاعتذار وحريص على أن لا يتسبب في إحراج أو ضيق خلال مناقشتنا حينما نختلف في وجهات النظر رغم أنه كان يعارضني بهدوء وأدب، إلا أنه لا يتركني حتى أضحك وأحلف له مرة واثنين بل وثلاثة أني راضية عنه ثم يقبل جبهتي ويتركني قائلاً: "الحمد لله", وسرعان ما أجده يتصل بي من العمل ويقول لي: "أوعى تكوني زعلانة يا أمي!! فكان رحمه الله, قمة في البر, يتابع وردي القرآني ويوقظني لصلاة الفجر ويذكرني بالنوافل، كان يوم إجازته الأحد من كل أسبوع, يدعو العائلة بمنزلنا لأكلة السمك الذي أحبه, فكان يحب أن يسعدني بما أحبه, كان يصر على تخصيص هذا اليوم للاطمئنان على أفراد العائلة, وكان آخر مَن يغادر المنزل في هذا اليوم، وقبل استشهاده بيوم أصرَّ على زيارة جميع أقاربنا, واصطحاب الهدايا لهم, وكأنه يريد توديعهم.

 

وتابعت "كان محمد من رجال الفجر ومن أشد المحافظين عليه, سمته القرآن, كان يردد دائمًا "ادعيلي يا بابا بالشهادة, الشهادة مش سهلة خالص وأنا عاوز أبقي شهيد".

 

وبعين تملؤها الدموع قالت أم الشهيد: "ابني محمد رقيق المشاعر, هادئ الطبع, كان بارًا بي وبأبيه وإخوته وزوجته, حافظًا للقرآن, كثير الصيام ويحثنا إليه قائلاً: "الصيام ده والله من أسهل وأجمل العبادات".

 

زوج حنون 

وعن أسعد اللحظات التي جمعتها بالشهيد قالت: "أسعد لحظات حياتي عندما رأيت محمد سعيد بزوجته, فكنت سعيدة أن ابني الكبير أخيرًا سيتزوج, فقد كانت له مواصفات خاصة يريدها في شريكة حياته وأهمها أن تكون حافظة للقرآن, هادئة الطبع, خلوقة, بسيطة, وكدت أطير فرحًا حين علمت أن من اختارتها له قد حازت إعجابه, إنني أتذكر أول يوم رأيتها فيه خلال أحد الدروس بالمسجد, وعلمت أنها تجيد القراءة, شغوفة بحفظ القرآن وإتقانه, فرشحتها له, ورأيت الفرحة ترقص في عينيه بعدما رآها وتحدث إليها وقال لي بعد انتهاء المقابلة: "هي دي يا أمي".

 

محمد زوج حنون محب لزوجته, لم أراها تشتكي منه يومًا, كانوا دائمين الدعاء لبعضهم البعض, وفور معرفتها بالشهادة قالت لي: "أنهما تعاهدوا منذ يوم زفافهما بتوحيد الدعاء وإخلاص نية الشهادة لله"، ومصر على تسميه ابنته "استشهاد", وكان دائمًا ما يوصيها بحب أمه وأبيه, وقال لها قبل استشهاده: "أبي وأمي هم أكثر اثنين أحبهم على وجه الأرض, ولكن متاع الدنيا زائل, ويظل يبكي.                                         

 

في حواصل طير 

 

الشهيد محمد ممدوح الحسيني

كنت أقول لابني أحمد وهو في الإعدادية: "إنني أجهزك شهيدًا, فأنت مشروعي للشهادة, طلبتها لأحمد ونالها محمد بإخلاصه, فبشرى له, فقد فرح محمد برؤيا قصَّها لي صديقي في رمضان الماضي عقب صلاة التراويح؛ حيث قال لي: "رأيت أن الإمام الشهيد حسن البنا والشهيد عبد القادر عودة بالمسجد ومعهم ابنك محمد يجلس وعلى وجهه هالة من النور" فأسأل الله أن يجمعه بالشهداء الصالحين.

 

وقد اتصلت بي سيدة من الإسكندرية أمس لا أعرفها وقالت لي: "إنها شاهدت رؤية كان محمد ابني يقف فيها بجوار الرسول, وهو يقول: "يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين"، وصوت في أرجاء المكان يردد: "اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا, ثم جفا محمد على ركبته وهو يدعو ويبكي.

 

مدرسة الإخوان

 

فلنتغافر.. أقولها بلساني وقلبي فقد تربينا في مدرسة الإخوان على حبِّ التضحية والوطن وأنا مستعد أن أسامح قتلة ابني الذين هم كانوا سببًا في شهادته بل وعلى أتم الاستعداد أن أضحي بأبنائي الاثنين "أحمد وعبد الرحمن" بشرط أن يتوب المتآمرون وأن يكفوا عن إجرامهم, لأضع أيدي بأيدهم ونتعاون لنهضة البلد, ونعيد اللحمة إلى الشعب مثلما كانت إبَّان ثورة 25 يناير.

 

فالإخوان لا يحملون حقدًا لأحد ولا ينتقمون لأنفسهم, ويرفعون شعار المصالحة لكل التيارات والأحزاب ولكل أبناء الشعب, فالتراحم والتغافر من أصول التربية في منهج المدرسة التربوية للجماعة.

 

للنخب.. اتقوا الله في بلادكم

 

وبكلمات موجزة وجَّه المهندس ممدوح الحسيني رسالته للنخب قائلاً: "نريد حقن الدماء, فلنوقف سيل الدماء,  يا مَن تتشدقون بحقوق المواطن والحرية والمساواة وتعسوا فسادًا تحت هذه المسميات, نريد استقرارًا للبلاد, فاتقوا الله في بلادكم, نحن في سفينة إذا خربت أسفلها غرقت كلها, اعملوا عقولكم ولا تسيروا من يريد الخراب لهذه الأمة, ولا تدعوا لشياطين الإنس من الفاسدين مجالاً لاغتيال الثورة والشرعية.

 

فالشعب بدء مسيرة الحرية والكرامة ولا يحب أن يتراجع عنها في منتصف الطريق, وأصبح لازمًا علينا أن نقف في وجه من يريد هدم مؤسسات منتخبة, انزلوا إلى مقاركم, وأعملوا عقولكم, وصوتوا للاستقرار.