د. إبراهيم غنيم: مطالب المعلمين مشروعة لكن التوقيت غير مناسب

- سأتابع المدارس والإدارات بالفيديو الكونفراس أسبوعيًّا

- لا بد من توحيد جهود المجتمع المدني لخدمة التعليم

- نضع حاليًّا وثيقة لمعايير مناهج التعليم قبل الجامعي

- التاريخ الصحيح ينصف الجميع بمن فيهم حسن البنا

- وضعنا مجلسًا متطوعًا لإدارة المعاهد القومية لوقف الفساد

- نؤسس لهيئة قومية للتعليم الفني بمشاركة 7 وزراء

 

حوار- أحمد الجندي وأحمد مرسي:

عانت وزارة التربية والتعليم في العقود الماضية من فساد ممنهج طال كل أركان العملية التعليمية، وعلى رأسها "التلميذ" الذي كان هو المستهدف من المخطط الذي سعت له حكومات وأنظمة متعاقبة من قبل ثورة يوليو عام 1952، وحتى ثورة الخامس والعشرين من يناير المباركة.

 

كل الأسلحة كانت موجهةً ضد "التلميذ" لاغتيال شخصية المواطن المصري في مهدها والقضاء على أي محاولات لإنتاج مواطن صالح يخدم بلده؛ لذا نجد تهالك البنية التحتية للمدارس، وعدم تأهيل المعلم، ووضعه الاجتماعي المتردي، حتى لا يُسهم في تخريج مواطن صالح يعي ما يدور حوله، وبالتالي من الممكن أن يعارض أنظمة الفساد والاستبداد البائدة.

 

وأسهمت المناهج- التي شارك في وضعها خبراء ومستشارون في وضع المناهج من أعداء الأمة من الأمريكان وغيرهم- بدورها في الحرب على التلميذ المصري الذي هو لبنة بناء هذه الأمة، لينتج ذلك تخلفًا على كل المستويات العلمية والبحثية والسلوكية والأخلاقية وغيرها حتى أصبحنا في ذيل الأمم.

 

لهذا الأثر الكبير للتعليم في بناء وتكوين الأمم والشعوب، وتحقيق النهضة والريادة في كل المجالات، كان ينبغي على أول وزارة شرعية أتى بها أول رئيس منتخب في تاريخ جمهورية مصر العربية أن تعمل جاهدةً على تخليص التعليم المصري مما ألمَّ به من فساد استمر عشرات السنين، وتصلح ما أفسده الآخرون من أجل تحقيق النهضة المنشودة.

 

وللوقوف على خطة الحكومة الجديدة لتطوير التعليم ومحاربة الفساد في الوزارة؛ (إخوان أون لاين) التقى الدكتور إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم وأجرى معه الحوار التالي:

 

* بداية.. كيف ترى دعاوى الإضراب التي أثيرت قبل بدء العام الدراسي الحالي؟

** راهنت على وطنية المعلمين وحتى الآن كسبت الرهان وقلت للتلفزيون المصري لا يمكن أن نكذب على الشعب المصري، ونقول إنه ليس هناك إضراب وهو موجود.

 

ولقد زرتُ العديد من المدارس بنفسي خلال جولتي التفقدية مع بدء الدراسة، ووجدت نسبة الحضور في المدارس للمعلمين بلغت نسبة 100% وحتى بعض المدارس التي لم تسجل هذه النسبة كان نسبة عدم الوجود منذ بداية اليوم هو نسبة التأخير العادي.

 

* وكيف ترى مطالب الداعين للإضراب؟ ومَن يقف وراءهم؟

** لنكن رحماء بأنفسنا.. يمكن أن يأتي اليوم الذي لا يجد فيه الموظف مرتبه ويكون طامةً على الجميع، فمثلاً دولة اليونان خفضت المعاشات 25%.. ولا يوجد دولة في العالم حدثت فيها مضاعفة للأجور عقب ثورة، ولا أنظر إلى من يقف وراء الإضرابات، ولكن أنظر إلى المطالب هل هي مشروعة أم لا؟ وأرى أنها مشروعة ولكن التوقيت ليس مناسبًا، وأقف على مسافة واحدة من روابط المعلمين وأطيافهم وجلست مع كل أطياف المعلمين.

 

* وكيف سيتم التعامل مع المتجاوز في الإضراب؟

** أنت حر ما لم تضر والقانون يحكم الغياب، والمنقطع عن العمل لمدة 15 يومًا متتالية يُفصل، ولمدة 30 يوم متفرقة يُفصل أيضًا، وهناك فرق بين المعتصم والمنقطع عن العمل ولو استعرضنا آراء أولياء الأمور في المعلمين سنجدها سلبيةً لما يرونه من عدم أداء المعلم لواجبه وانشغاله بالدروس الخصوصية.

 

 
* قلتم إن تمويل الكادر من ميزانية الوزارة فكيف دبرتم تكاليف الزيادة المقررة؟

** مصادر تمويل الكادر من الوزارة هي الاستفادة من تعديل القرار رقم 155 حول من بلغ سن المعاش يخرج فورًا من الوزارة والثانوية العامة أصبحت عامًا واحدًا فوفرنا منها 1.5 مليار جنيه، كما أننا ليس لدينا مستشارون في الوزارة الآن.

 

* قمتَ بجولة ميدانية في المحافظات، فكيف تتعامل مع المخالفات التي ترصدها أثناء هذه الجولات؟

** عندما أجد أي مخالفة أتعامل معها على الفور، فمثلاً اليوم قمت بنقل مدير هيئة الأبنية التعليمية في الإسماعيلية بالتليفون، بسبب مخالفاته.

 

وأثناء جولتي في مدارس شمال سيناء وجدت مدرسة سُلِّمت إلى الإدارة وليس بها كهرباء ولا ماء فاتصلت بنفسي بوزير الكهرباء الذي استجاب على الفور وأيضًا وزير المرافق، ويجري الآن توصيل الكهرباء والمياه إلى المدرسة.

 

* وكيف ترى مشاركة المجتمع المدني للوزارة في تطوير الأبنية التعليمية؟

** يجب إنشاء وحدة للمجتمع المدني يصبُّ فيها العمل الأهلي والخيري لصيانة المدارس وتدريب المعلمين بعيدًا عن الحكومة، وتوجه إلى المناطق المحرومة من التعليم والمدارس الآيلة للسقوط، وأن تتعاون الجمعيات الأهلية لتعظيم جهودها ودورها.

 

وأرى أن توجيه الأموال الخيرية إلى التعليم وبناء المدارس يسبق بناء وتشييد المساجد في الأهمية، وهناك آراء فقهية منشورة تؤيد هذا المنحى.

 

* كيف ترى ما آل إليه وضع التعليم في مصر في ظل المطالبات برفع الرواتب؟

** جسم التعليم المصري ما زال بخير ولكنه يحتاج إلى جراحات عاجلة وعلاجات طويلة المدى، ولا يمكن أن نرفع الوضع المادي للمعلم دون أن نرفع من وضعه المهني، ويجب أن يتم ذلك بالتدريب، والإصلاح الآن يتمركز حول مدير المدرسة الذي لو أصبح مديرًا كفؤًا تصبح المنظومة متكاملة.

 

* مركزية القرارات أفسدت وزارة التعليم في العهد البائد فكيف ترون التعامل مع هذه المشكلة؟

** نحن ندير 46 ألف مدرسة و1.2 مليون معلم و8 آلاف موظف في ديوان الوزارة، فلا بد أن نغلب اللا مركزية ويستطيع مدير المديرية أن يأخذ قرارًا وحده، كما أنني أرجع الآن جميع المشكلات والشكاوى التي تصلني إلى المديريات في المحافظات لاتخاذ قرارات بشأنها، فلقد أجريت تجربة يوم السبت الماضي أجريت خلالها حوارًا عبر الفيديو كونفرانس مع أولياء الأمور أصحاب الشكاوى في وجود مديري المديريات والإدارات، وأترك المشكلة لمديري المديريات لحلها.

 

* وهل ستتكرر هذه التجربة مرةً أخرى أم أنها كانت مع بداية الدراسة فقط؟

** بالطبع ستتكرر، ففي كل سبت من كل أسبوع سيكون هناك عملية مماثلة لمتابعة سير العمل في المديريات المختلفة ومعرفة المشكلات التي تشغل أولياء الأمور والطلاب وحلها مع مديري الإدارات.

 

* وما رؤيتك لتطوير المناهج الدراسية؟

** نعد الآن وثيقة لمعايير المناهج من الأول الابتدائي وحتى الثالث الثانوي فيما يعرف بالتتابع والتوسع، ولدينا كم هائل من المواد والمعلومات التي تدرَّس، فمثلاً طالب أولى ابتدائي في كتاب اللغة العربية لديه 700 مفردة يجب عليه تعلمها، وكان الأمر في السابق يقتصر على 200 مفردة فقط، فالتعليم لدينا منذ وقت طويل من قبل ثورة 1952 وهو يخرج موظفين يأخذون الأوامر وينفذونها.

 

 
* هل هناك تجربة محددة ترى أنها أولى بالاقتداء بها؟

** لن نخترع العجلة مرةً أخرى، فلدينا مناهج عالمية نستطيع أن نأخذها وندرسها لأولادنا، وبالأخص فيما يخص العلوم التطبيقية، فالكيمياء والرياضيات والفيزياء مثلاً لا تختلف في مصر عن أمريكا عن أوروبا، ولدينا تجربة ماليزيا؛ حيث راهنت على التعليم ونجحت في تحقيق نهضتها من خلاله.

 

* تدريس التربية الإسلامية كيف تراه في مدارسنا؟

** الأسبوع القادم هناك زيارة لشيخ الأزهر، وكنت في زيارة لوزير الأوقاف وقلت له نريد علماء أزهريين مؤهلين يساهمون في تطوير مناهج التربية الإسلامية مع التركيز على أهمية السلوك فيما يُعرف بـ"المناهج الخفية".

 

* وما الآلية التي سيتم بها تأهيل مدرس التربية الإسلامية؟

** نطرح على عمداء كليات التربية إنشاء أقسام خاصة للتربية الإسلامية، فليس ضروريًّا أن يدرس التربية الإسلامية مدرس اللغة العربية، ولكن المهم أن يكون المعلم مدربًا ومهيئًا لتدريس المادة.

 

* وماذا عن مراقبة المدارس الخاصة من حيث الرسوم والمناهج التربوية؟

** بالنسبة للمدارس الخاصة هناك قرار وزاري ينظم موضوع الرسوم وأي مدرسة ستخالفه ستوضع تحت التوجيه المالي والإداري، ولدينا إشراف تربوي على المدارس الدولية.

 

* ما تقييمك لمستوى المعلم المهني واستخدامه للأدوات التعليمية؟

** المعلم يحب أن يعلم التلاميذ كما تعلَّم هو، أذكر المعلمين الذين كانوا يعلمون لنا وكيف كانوا يسطرون حتى السبورة حتى ننتظم في الكتابة بخط مستقيم ولا بد أن يقتنع المعلم أنه صاحب رسالة، وكنت في زيارة تفقدية لإحدى المدارس ووجدت معلمًا لا يُحسن استخدام السبورة، وهناك قمت بنفسي بتقسيم السبورة للمعلم وجعلتُ منه جزءًا للرسوم على الجانب الأيمن، وجزءًا للمفاهيم التي يريد المعلم توصيلها بحيث تكون ثابتة أمام التلميذ طوال الحصة، والجزء الأوسط لعمليات شرح الدرس.

 

فالمعلم لا يزال يحتاج إلى قدر من التدريب والتأهيل المهني لكي يستطيع أن يقوم بدوره على الوجه الأكمل، وأرى أن تأهيل المعلم أهم من تطوير المناهج فإذا وجدت أفضل مناهج في الدنيا ولم يوجد المعلم الكفء الذي يوصلها فلن تكون لها قيمة.

 

* البعض تحدث عن تشكيل لجنة في الوزارة لمحاربة الفساد ما حقيقة ذلك؟

** تشكيل اللجان يستغرق الوقت والجهد ويلفتنا عن مهمتنا الأساسية، ولكن يجب أن ننطلق في عملنا من أجل تطوير العملية التعليمية والارتقاء بها، وإذا وجد أي فساد نقوم بإزالته وتحويله إلى النيابة على الفور، فلا ينبغي أن ننتظر حتى يتم التطهير الكامل لنبدأ البناء ولكن نبني وإذا اعترضنا شيء نزيله، وهناك أكثر من قضية فساد في الوزارة تم تحويلها إلى النيابة وتجري التحقيقات فيها على قدمٍ وساق.

 

* البعض ينادي بضرورة إعادة هيكلة الوزارة.. كيف ترى هذه المطالب؟

** الهيكل الإداري في أي وزارة ينم عن طريقة عملها وإلى أي شيء تتوجه، وهناك إعادة هيكلة الهيكل الإداري في الديوان والميدان وتوحيد بعض الإدارات مثل إدارة الإحصاء وإدارة الوسائل التعليمية ونوحدها في إدارة واحدة نحن  نتحدث عن 8 آلاف في ديوان عام الوزارة منها إدارة الوسائل التعليمية فيها 300 موظف لا تدري ماذا يفعلون، فنحن نريد هيكلة الوزارة ليكون كل شيء فيها موجه لخدمة التلميذ.

 

 
* وماذا عن المعاهد القومية؟

** الإدارة العامة للمعاهد القومية التي كان يتعلم فيها أبناء علية القوم في العهد البائد كانت أول جزئية تم تطهيرها؛ حيث قدم مجلس الإدارة مشكورًا استقالته بشكلٍ ودي، وشكلنا مجلس إدارة جديد متطوع لا يتقاضى مليمًا واحدًا ويمارسون عملهم منذ 10 أيام، واستطعنا بذلك تطهير المعاهد القومية من فاسدٍ ترزح تحت وطأته منذ زمن بعيدٍ، وهذه المدارس عددها 39 مدرسة هي مدارس البعثات الأجنبية قبل ثورة 1952 وبعدها، وكان بها فساد غير عادي.

 

* المراكز القومية للتعليم كانت مرتعًا للفساد.. كيف ترى تطهيرها؟

** لدينا ثلاث مراكز قومية؛ منها اثنان تم إنشاؤهما بقرارٍ جمهوري وهما  المركز القومي  لتطوير الامتحانات والمركز القومي للبحوث التربوية، أما مركز تطوير المناهج فجاء بقرارٍ وزاري ولدينا خطة لإعادة هيكلة المراكز الثلاثة تحت مظلة واحدة حتى يعظموا خدمة العملية التعليمة، فمثلاً مركز تطوير الامتحانات  صرح كبير بالمقطم والمرء يحزن عندما يراه غير  قائم بمهمته ومهمل رغم أنه مجهز.

 

وأتمنى أن يقوم هذا المركز بدوره في وضع الامتحانات بحيث تكون الامتحانات مستقلة عن الوزارة.

 

* كيف سيتم ذلك والمركز تابع للوزارة؟

** مركز تطوير الامتحانات هو الذي يضع الامتحانات ويُشرف عليها وهو تابع للوزير وليس تابعًا للوزارة، وله ميزانية مستقلة تأتي من وزارة المالية مباشرةً.

 

* متى سنجد في مناهج التعليم الحركات الوطنية والزعماء مثل حركة الإخوان المسلمين وحسن البنا الذي حقق إنجازات لم يحققها زعيم سياسي في مصر؟

** التاريخ في أي بلدٍ في العالم يُركِّز على الموضوعات وليس الأشخاص، وعندما يتحدث عن واقعةٍ بعينها يأتي في سياق الأحداث مَن يأتي يسار يمين، فالتاريخ هو رصد لحركة التاريخ على الجغرافيا، وإذا حدث ذلك سينصف الجميع بمن فيهم حسن البنا وحركة الإخوان.

 

وكل يأتي بحقه فلو هناك حادث عارض سيأخذ حقه من العرض بقدره، ولو كان هذا الحادث مستمرًّا سيحتل المكانة التي تليق باستمراره.

 

ولا أخفي أن مناهج التاريخ لدينا مشوهة وتحتاج إلى إعادة صياغة حقيقية منصفة، وهناك مثال على هذا التشويه موضوع الاحتلال العثماني، وقد لفت السفير التركي نظرنا إلى ذلك.

 

* تدريس الأنشطة والمجالات التطبيقية بعيدًا عن طبيعة تلك الأنشطة، كيف ترى تدريس المجالات المختلفة من صناعية وزراعية؟

** فعلاً المعلم في كثيرٍ من المدارس بعيد عن الأسلوب الأمثل في تعليم الطلاب في المجالات الصناعية والزراعية وغيرها، وكنت في جولة ووجدت مدرس مجال صناعي يدرس للطلاب حصةً داخل الفصل فكيف يكون ذلك؟ ولذلك لدي نية لإلغاء كتب الأنشطة واستبدال كتب المعلمين بها بكل أنواعها التي كان يصرف عليها أموال كثيرة.

 

* نرى حال اللغة العربية ومناهجها الضعيفة... كيف نرتقي مرةً أخرى باللغة العربية؟

** نحن نريد نماذج من المعلمين يشعون نورًا وقدوةً للآخرين، ونذكر كلمة الرسول "إذا فتح الهل عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفًًا"، فنريد أن نجيش الشعب حول فكرة التطوير والإنجاز، وإذا استطعنا أن نفعل ذلك نستطيع أن ننجز.

 

* التعليم الفني مهمل وليس له علاقة بالواقع كيف يوجه التعليم الفني للإنتاج ؟

** نعمل على مشروع طموح لتطوير التعليم من خلال إنشاء الهيئة القومية للتعليم الفني والتدريب المهني مع 7 وزارات حول ما تحتاجه الوزارات المختلفة ونوجهه في التعليم وبمجرد أن تنضج الفكرة نعرضها على مجلس الوزارء كل مدارس التعليم الفني من صناعية وزراعية وفندقية وغيرها.