مع اقتراب موعد الانتخابات لرئاسة الجمهورية في العاشر من شهر سبتمبر الجاري، ودخول الصومال في عصر سياسي جديد يكون بديلاً لحقبة الحكومات الانتقالية في الفترة الأخيرة من عمر الحكومات الصومالية المتعاقبة على حكم البلاد.

 

تتجه الأنظار صوب الشخصيات التي ترشَّحت لرئاسة الجمهورية، والذين تتنوع مشاربهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية تبعًا لانتماءاتهم الفكرية والثقافية الموجودة في الساحة الصومالية، لكن الخيط الذي يجمعهم هو الخلفية الأكاديمية، التي تعتبر شرطًا أساسيًّا لخوض معترك الانتخابات الرئاسية حسب الشروط التي وضعتها اللجنة المنظمة للإنتخابات، وهي بادرة اعتبرها البعض أنها تقدم نحو بناء دولة صومالية قوية تعطي الاعتبار لمسألة التعليم.

 

د. عبد الرحمن معلم عبد الله باديو الذي ينتمي إلى حركة الإصلاح "الإخوان المسلمين" أحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية الصومالية لما يتمتع به من ثقلٍ معرفي وخبرات تراكمية في مختلف مجالات الحياة، ونظرًا لعلاقاته القوية مع شرائح المجتمع الصومالي، وطبقة المثقفين الذين يعتبرونه شخصية وطنية قادرة على تحقيق قدرٍ من الاستقرار السياسي والأمني والتنموي في الصومال المضطرب.

 

وحول شخصية باديو وحظوظه في رئاسة الجمهورية في الفترة المقبلة، في ظل تجاذبات سياسية على الساحة السياسية الصومالية أجرينا مقابلةً مطولةً مع د. علي الشيخ أحمد أبوبكر رئيس جامعة مقديشو ومسئول سابق لحركة الإصلاح "الإخوان المسلمين" ليحدثنا عن رفيق دربه على امتداد العقود الثلاث الماضية، وإليكم نص المقابلة.

 

* بدايةً كيف ترى د. عبد الرحمن عبد الله باديو؟

** الدكتور عبد الرحمن باديو هو شخصية صومالية وطنية يتمتع بمؤهلات ومواهب أؤمن بأنها تمكنه بعون الله تعالى من قيادة الصومال نحو دولة المؤسسات والحكم الرشيد، وهو من عائلة متدينة ذات جذور في الزهد والمعرفة، وكان والده- رحمه الله تعالى مركز ثقل للدعوة الإسلامية، وخاصةً تعليم القرآن الكريم والمساهمة في نشر الدعوة الإسلامية، وفي وسط تلك البيئة الصوفية المفعمة بالروحانيات حفظ القرآن الكريم، وتعلم خدمة المجتمع واحترام العلماء ومساعدة الفقراء والمحتاجين.

 

وقد درس عبد الرحمن باديو في مدرسة جمال عبد الناصر في مقديشو، وانخرط بعدها في المؤسسة العسكرية؛ حيث تخرَّج في الكليات العسكرية السوفيتية، وبلغ إلى رتبة العقيد (كلونيل) في القوات المسلحة الصومالية، ثم ابتعث إلى الولايات المتحدة لنيل دبلومات عسكرية؛ ما أتاح له معرفة واسعة في العلوم العسكرية وإستراتيجياتها العالمية، وتلك خبرة ضرورية لأمن واستقرار الصومال في المرحلة المقبلة.

 

عمل محاضرًا في كلية الهندسة في الجامعة الوطنية الصومالية قبل هجرته إلى أمريكا كغيره من المثقفين الصوماليين، وقد نال الماجستير والدكتوراه من جامعة "ماجيل" بكندا متخصصًا بالعلوم الاجتماعية، وعاد إلى الصومال بعد انهيار الدولة الصومالية، فمنذ ذلك الوقت يعيش فيه متخذًا المقر الأساسي في مدينة مقديشو، وبهذا يصبح الدكتور باديو أحد السياسين القلائل الذين يعيشون في داخل الصومال مع أسرهم تحت أزيز الرصاص والقلاقل الأمنية وقسوة العيش وقساوة الظروف الصحية رغم ما تتيحه الظروف أن يقضي خارج هذه الأزمة.

 

وقد اشتهر في فترة الحرب الأهلية بإنجازاته المعروفة في مختلف المجالات؛ حيث ساهم بقوةٍ مع بقية القيادات في حركة الإصلاح والوطنيين الشرفاء في تفعيل المجتمع المدني وتأسيس المدارس والجامعات والخدمات الاجتماعية المتنوعة لرفع المعاناة من المجتمع المنكوب وشرائحه المتضررة، وكان من بين الذين يشهد له الجميع دوره المتميز لإحياء المدارس بعد توقفها؛ حيث أسس أول مدرسة ثانوية في مقديشو، وهو مجمع أم القرى وترأس أول مظلة للمجتمع المدني في مقديشو، وشارك في تأسيس جامعة مقديشو.

 

خبرة سياسية

* ما مدى  الخبرة المطلوبة في الرئيس القادم  لقيادة الصومال في المرحلة القادمة؟

** الصومال يعاني من أزمات ومشاكل لا حدودَ لها، وتتطلب حلولها إلى عقليات جديدة تملك الاستيعاب الضروري لمختلف جوانبها، وتملك الممارسات والخبرات الآتية من العيش في وسط تلك الأزمات، كما أن القيادة القادمة يجب أن تحمل التوجهات التصالحية ووضع حلول اجتماعية تعالج جذور الأمراض لا الأعرض، وحسب قناعاتي ومعرفتي فإن الدكتور عبد الرحمن باديو يتمتع  بخبرة واسعة تؤهله في قيادة الدفة السياسية في الصومال.

 

1- فهو رئيس المجلس الصومالي للمصالحة مدى سنوات انهيار الحكومة الصومالية، والمجلس كان بمثابة الواجهة السياسية للحركة في التسعينيات من القرن الماضي، وقد قام هذا المركز بتنظيم العديد من اللقاءات مع كل الأطياف السياسية في الصومال، وتعرَّف عن قرب حاجات القبائل المتناحرة على كرسي الرئاسة، وهو مؤسسة عملت في البلاد منذ عام 1994م، وأخمدت فتنًا وأوقفت حروبًا كثيرةً ووضعت صلحًا بين قبائل صومالية عديدة.

 

2- هو من مخططي مصالحة عرتا التي أعلنها فخامة رئيس جمهورية جيبوتي السيد إسماعيل عمر جيلي، وهي المصالحة التي أوجدت أمل الدولة الصومالية بعد يأسٍ أصاب الجميع.

 

3- نشر الدكتور عشرات المقالات والكتيبات حول معالجات القضية الصومالية الشائكة.

 

4- وهو أحد قيادات حركة الإصلاح ورموزها السياسية ومنظريها، والمعروف أن الحركة لم تكن بمعزل عن الشئون السياسية في الصومال منذ انهيار الدولة، بل كانت توجه سير العملية السياسية عن طريق تقديم الاستشارات، ومشاركة بعض أعضائها في المجالس النيابية طيلة الحكومات الماضية، كل ذلك شكَّل خبرةً تراكميةً لدى باديو الذي كان يتولى الملف السياسي للحركة.

 

5- وهو من مؤسسي المجتمع المدني في الصومال.

 

هذه العوامل تساعد الدكتور على قيادة الدولة وتنظيم أمور المجتمع كما ثقافته المحلية والعالمية عامل أخر في الساحة السياسية.

 

* ماذا يعني ترشح باديو للشعب الصومالي؟

** ترشح باديو لرئاسة الجمهورية يعني أن هناك شخصية وطنية إسلامية في طريقها إلى قصر الرئاسة، ونتوقع- في حال فوز باديو في رئاسة الجمهورية الصومالية- انفراجه سياسية على جميع الأصعدة، بدءًا في الداخل؛ حيث يسعى إلى لملمة الصفوف الداخلية وجمع الصف الوطني لمجابهة التحديات الخارجية.

 

وبسيرته الذاتية الموجزة نقف على المميزات والمؤهلات لدى الدكتور عبد الرحمن، ثم نقف مدى حاجتنا إلى قيادة تعالج مشاكلنا ولديها القدرة على الصبر والتضحية، فمن هنا يظهر التناسب بين حجم المشاكل التي نعاني إياها وبين الصفات والإمكانات والقدرات الموفرة لدى المرشح، وأكبر دليل على ذلك خدماته وتضحياته وصبره الطويل في الساحة الصومالية، إذًا بإمكاننا أن نقول إن الدكتور عبد الرحمن معلم عبد الله يعني للمجتمع الصومالي والدولة الصومالية الشيء الكثير، وفي مقارنة متواضعة بين المرشحين فإن الدكتور عبد الرحمن يتمتع بصفات ومميزات قل توفرها في أي مرشحٍ آخر في الساحة الصومالية، وهذا يجعلني أقتنع بأنه يسجل نقاط قوة على بقية المتسابقين على الرئاسة، ويعني الأمل للمظلومين والفقراء والجهال لأنه لم يشارك في قتلهم ونهب ثرواتهم بل كافح من أجل مساعدتهم وانقاذهم وبذل كل غالٍ ومرتخصٍ طوال فترة الحرب الأهلية فإذا قدَّر الله أن يصبح رئيس البلاد فأتوقع أنه يتعاون مع كل القوى الوطنية النظيفة، وهو الأمر المفقود من القيادات الصومالية.

 

 مشروع الإنقاذ الوطني

* هل هناك مشروع سياسي لدى باديو على غرار مشروع النهضة عند إخوان مصر؟

** نعم هناك مشروع سياسي وطني عند المرشح د.باديو، والمشروع يسمى بمشروع الإنقاذ الوطني، ونحن نعلم أن الصومال بحاجةٍ إلى مشروع إنقاذ وطني يعيد الهيبة والاعتبار للحكومة الصومالية، ويجعل الحكومة منظومة مؤسسات حكم تسعى في بداية أمرها إلى تضميد جراح الصوماليين، والسعي أيضًا إلى إخراج الشعب من دوامة التيه والعنف المستمر قيادي بارز في الحركة.

 

* ما موقع باديو باديو في الحركة؟

** الدكتور عبد الرحمن باديو عضو في حركة الإصلاح في الصومال منذ عقدها الأول، وقيادي بارز من الرعيل الأول تقلَّد فيها مناصب قيادية متعددة  في العقود الثلاث الأخيرة، مثل العلاقات الخارجية، والإعلام، والسياسة، وكان نائبًا لرئيس حركة الإصلاح في فترتين انتخابيتين متتاليتين.

 

في كل هذه المراحل كان مشاركًا فعالاً فيما أنجزته الحركة من مشاريع تنموية أو إغاثية طارئة، وله إبداعات في التطوير الإيجابي وتجديد القوالب الدعوية والسياسات التنموية في المسيرة الحركية، وهو يحب الإبداع والتجديد ويرفض التقليد الأعمى في الحياة السياسية والدعوية، وعلى صعيد العلاقات أيضًا، ورغم أنه تعرَّض لمخاطر جمة، ونجا من محاولات اغتيال عديدة للتصفية الجسدية إلا أنه رفض التنازل عن كفاحه داخل الصومال، وظلَّ مصرًّا على مواصلة الكفاح بجانب القيادات الأخرى للحركة حتى هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ ترشحه لمنصب رئاسة جمهورية الصومال.

 

* ماذا يعني ترشح الدكتور عبد الرحمن لحركة الإصلاح في الصومال؟

** لقد مرَّت على تأسيس حركة الإصلاح (الإخوان المسلمون) من تأسيسها 34 عامًا، وهي فترة زمنية كسبت الحركة خبرةً تراكميةً لا يُستهان بها، وخبرت الدروب وواجهت المتاعب والامتحانات بدرجات متفاوتة، وتعاملت الحركة مع النظام القمعي بكل حكمة، صحيح قاومت النظام العسكري ولكنها بالوسائل المشروعة السلمية، فهي لم تشارك عملية الهدم البشعة التي أدَّت في نهاية المطاف إلى الوضع الذي نحن فيه اليوم.

 

ولم تشارك الحركة في معمعة المعارك القبلية عندما توجَّه معظم الصوماليين إلى التناحر وإراقة الدماء ارتأت الحركة عدم خوض الحروب الهمجية ومنعت شبابها المشاركة في هذه الحروب القذرة، ورغم تعرض الحركة لكم هائل من المشاكل، من جرَّاء مخالفتها للتوجه الصومالي آنذاك، إلا أنها التزمت بكل حزم وقوة برؤيتها وقراراتها النابعة من الفهم الصحيح للإسلام، والسبب واضح لأنها كانت تنطلق من ثوابتها الحركية الثابتة، ومن فهمها الإسلامي المعتدل الذي يسترشد بفهم الأئمة المهتدين وسلف هذه الأمة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وبما أن الإصلاح اختارت طريق السلم نهجًا للتغييرالاجتماعي والسياسي، ورفضت دومًا مسلك العنف، وإراقة الدماء، وهدر طاقات المجتمع، فإن وصول الدكتور عبد الرحمن إلى سدة الحكم يمثل عاملاً مساعدًا لتعميق نهج السلم التغييري، ويفتح الأمل لتوحيد قدرات الصومال وحمايته وإخراجه من الحالة البائسة إلى وضع يعيد كرامته ومركزه إقليميًّا وعالميًّا، بالإضافة إلى ذلك فإن ذلك يمكن الصومال من تحسين علاقاته العربية والإفريقية والدولية، فالعزلة المضروبة على الصومال مشروع فاسد شارك الصوماليون فيه بسوء فهمهم في السياسة الدولية وتعقيداتها؛ ما فتح الباب على مصراعيه لتحقيق رغبات الآخرين لتحقيق مصالحهم، وقد آن الأوان لتصحيح هذا الوضع المعوج، ولا بد من تحويل المسار السياسي والاقتصادي والأمني والثقافي والعلاقاتي بالتعاون مع القوى الإقليمية العربية الإفريقية ومع المجتمع العالمي.

 

إن رئاسة الدكتور عبد الرحمن للصومال تعني شراكة مهمة لأنها بين قيادات إسلامية واعية، وبين بقية القيادات في المجتمع الصومالي، و"الإصلاح" فخورة بذلك لأنها تسعى دومًا لبناء شراكة حقيقية بينها وبين مجتمعها، إدراكًا منها أن حزبًا أو حركةً واحدةً لا يمكن أن تعيد الصومال دولة محترمة قادرة على الحياة، فلا بد أن يتكاتف الجميع لبناء صومال موحد متطور بعيد عن العنف والقسوة المشينة، هذا ما أتوقع من الدكتور عبد الرحمن إذا وصل إلى الرئاسة.