- كراهية الشباب للإعلام الحكومي دفعتهم لتكوين منافذ إعلامية جديدة

- "مجلس الوزراء": المحاكمات العسكرية أحدثت طفرةً في المدونات

- المدوِّنون: هدفنا كان كشف الظلم وإظهار الصورة الحقيقية للقضية

- د. محمود علم الدين: "الإنترنت" حقَّق ما يُسمى بـ"ديمقراطية الاتصال"

 

تحقيق- إسلام توفيق:

"صحافة شعبية" أو "صحافة حرة".. سمِّها ما شئت، فأصحابها لم يدرسوا الإعلام، ولم يتدرَّبوا في صحف، حتى يمارسوا هذه المهنة، بل هم مجموعة من المدوِّنين الشباب الذين فجَّروا العديد من النوافذ على شبكة الإنترنت؛ تزامنًا مع المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين التي أُحيل فيها المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام، و39 من قيادات وكوادر الإخوان خلال الفترة من (ديسمبر 2005- أبريل 2007م).

 

فقد خلقت المحاكمات العسكرية للإخوان حالةً من الحراك التدويني بين أوساط النشطاء من شباب الإخوان وغير الإخوان؛ للتضامن مع المظلومين وفضح انتهاكات النظام لهم، بعد إنشاء عشرات المدونات التي جعلت من "القضية العسكرية" حديث الساعة في "الإنترنت" في الوقت الذي تجاهلت القضية- ولو نسبيًّا- الصحف بمختلف توجهاتها.

 

المثير أن هذه الصحافة لم تقتصر على الشباب فقط، بل شارك فيها رموز كبيرة، سواءٌ كانت مستقلةً أو تنتمي لتيارات وتوجهات فكرية متنوعة، ولم يقتصر الأمر عند التدوين فحسب، بل تطوَّر الأمر؛ ليواكب التكنولوجيا الحديثة وآخر صيحاتها، حين دشَّن أبناء المُحالين إلى المحكمة العسكرية وبعض النشطاء المتضامنين معهم حملةً للتضامن مع آبائهم عبر موقع الـ(فيس بوك)؛ حيث استثمر أبناء المُحالين إلى المحاكم العسكرية ما يُتيحه (الفيس بوك) من تواصلٍ وانتشارٍ واسع، واتجه أغلب أبناء المُحالين إلى المحاكم العسكرية إلى التدوين من أجل نشر أفكارهم ومشاعرهم، وما يحدث مع آبائهم في المحاكم العسكرية.

 

كراهية

وكشفت دراسة صدرت تحت عنوان "الإعلام الجديد وتحدِّي الحرية" أن كراهية الشباب المصري للإعلام الذي تحتكره الحكومة وراء انتشار المدونات بهذه الصورة الكبيرة؛ وهو السبب الذي دفع الشباب إلى تكوين نوع جديد من الصحافة بالمدونات.

 

وقالت الدراسة- التي تمِّت مناقشتها بكلية الإعلام نهاية عام 2008م- إن سبب الزيادة الكبيرة في أعداد المدوِّنات يرجع إلى الكراهية المتنامية لوسائل الإعلام الحكومية التقليدية التي تحتكر صناعة الرأي العام، ووجود رغبة متزايدة من الأفراد والمؤسسات في استخدام أوسع للإنترنت، والرغبة من قبل الشباب في إثبات الذات.

 

وأوضحت الدراسة أن المدونات في مصر في هذه الفترة أصبحت جزءًا من واقع شباب هذه الأيام، وأضافت أن أغلب المدوِّنين طالبوا بالإصلاح السياسي وإطلاق الحريات العامة، ورفضوا محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، واتفقوا على أن الإصلاح السياسي يقود إلى الإصلاح الاجتماعي الأشمل، وهو ما دفعهم إلى التدوين.

 

اعتراف حكومي

يتفق ما سبق مع تقرير حكومي، أصدره مركز دعم واتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء، وأكد أن ازدياد عدد المدونات المصرية كان مرتبطًا بوجود أحداث سياسية مهمة؛ حيث رصد التقرير زيادة أعداد المدونات في أشهر ديسمبر 2004م وحتى نهاية 2007م، وهي الأشهر التي شهدت التعديلات الدستورية وانتخابات رئاسة الجمهورية والانتخابات البرلمانية وأزمة اللاجئين السودانيين، وغرق العبَّارة والمحاكمات العسكرية للإخوان، والأحداث الطائفية في العديد من الأماكن في مصر وأحداث غزة.

 

وأشار التقرير إلى أن أغلب المدونين المصريين يتركَّزون في المحافظات الحضرية بنسبة 88%؛ حيث حظيت القاهرة وحدها بنسبة 82%، بينما حصلت محافظات الوجه القبلي على 8.7% والوجه البحري على 2.5%.

 

وأشار التقرير إلى أن المدونات تجذب انتباه أكثر من 50 مليون شخص حول العالم، وأن كل دقيقة يتم إنشاء أكثر من 84 مدونةً، وهو ما دفع معدِّي التقرير إلى وصف المدونات بأنها أداة مهمة في تشكيل مجتمع معلومات قائم على الديمقراطية.

 

إحياء القضية

أبناء المُحالين إلى المحاكمات العسكرية أحدثوا طفرةً في عالم التدوين على خلفية إحالة ذويهم إلى هذه المحاكمات الظالمة، فالبداية كانت مع مدونة (انسى)، والتي جمعت كل ما يتعلق بالمُحالين إلى المحاكمات العسكرية، وحملت عبء إظهار الحقيقة، وكشفت التدليس والكذب الموجود في القضية، تبعها مدونة (الفجرية) للدفاع عن ياسر عبده، ثم مدونة (رجل حر رغم القيود) للدفاع عن المهندس خيرت الشاطر، ومدونة (الحرية لحسن مالك) للدفاع عن رجل الأعمال حسن مالك، ثم خرجت إلى النور باقي المدونات التي طالبت بالحرية لرجال الأعمال وأساتذة الجامعة المعتقلين، وكأنَّ المحاكمات العسكرية هي التي فجَّرت عملية التدوين في الوسط الإخواني.

 

جهاد ضياء فرحات صاحبة مدونة (الحرية لضياء فرحات)، قالت: إنها لم تكن تعلم عن التدوين، ولم تُفكِّر فيه قبل المحاكمة العسكرية لوالدها، ولم تتخذ قرار إنشاء المدونة إلا لإظهار الصورة الحقيقية لوالدها وكشف الظلم الواقع عليه.

 

وقالت: إن مدونتها جمعت كل الأطياف الشعبية والقوى السياسية الوطنية، مشيرةً إلى أن المدونات، وخاصة التي دشَّنها أبناء المعتقلين كان لها دور مهم في نشر القضية بين وسط رواد "الإنترنت"؛ لأنهم ينقلون الأحداث أولاً بأول؛ بصفتهم الوحيدين الذين يستطيعون هذا؛ لأنهم مَن يحضرون جلسات المحاكمات.

 

وأضاف عبد الله عصام حشيش، أن المحاكمات العسكرية كانت سببًا في انتشار المدونات؛ حيث اتخذ من المدونات منبرًا للتعبير عن آرائهم، كما كانت لها دور في توصيل الصورة للصحف ووكالات الأنباء من قِبل الأشخاص أنفسهم.

 

وقال: "أعتقد أن للمدونات أثرًا كبيرًا في سير القضية من حيث إنها كانت سببًا في فضح المهازل التي تحدث في الجلسات بالإضافة إلى تجميع رأي عام، بكونها تفاعلية يمكن الوصول عن طريقها لعددٍ كبيرٍ من خلال ضغطة زر واحدة"، مشيرًا إلى أن زوار مدونات أبناء الإخوان الذين أُحيلوا إلى المحاكمات العسكرية كانوا من مختلف أنحاء العالم، ومن مختلف الطبقات، فمنهم الطلبة وأساتذة الجامعات، وأغلبهم من غير الإخوان، ولكنهم متعاطفون معهم ويحبونهم.

 

تأثير

وكانت من أبرز المدونات التي ظهرت مع المحاكمات العسكرية مدونة (وطني) لصاحبها المهندس خالد حفظي التي تصدرت مدونته عبارات: "أنا وطني.. أحب وطني.. وكل أبناء وطني.. أنشد الخير لوطني.. أنشد الحرية لوطني.. وأمد يدي لكل وطني.. كي نعيد البسمة لوطني.

 

حفظي اهتمت تدويناته بالتضامن والتفاعل مع قضايا الوطن، سواءٌ سياسية أو اجتماعية، مشيرًا إلى أن المدونة كانت تشغل حيِّزًا كبيرًا من وقته؛ نظرًا لحجم وقيمة الموضوعات التي كان يتعمَّد نشرها في هذه الفترة، والتي كانت تثير جدلاً ثقافيًّا وسياسيًّا.

 

ويحكي صاحب مدونة "سكون هنصوت" عن إحدى أيام المحاكمات التي حضرها، فيقول: "مكان الجلسة كان في الهايكستب، مشوار طويل، ووصلت الساعة 11 صباحًا، لقيت مجموعة من شباب المدونين وبعض مدوني الإخوان، ولكننا مُنعنا من دخول القاعة التي لم نجدها أصلاً".

 

وأضاف: "تساءلنا جميعًا لماذا حضرنا؟، ولكننا بدأنا في الحديث عن المحاكمات والظلم الواقع على المُحالين، والتصوير، واتفقنا على عرض الصورة كاملةً عبر مدوناتنا؛ لنشرها وعرضها بعدما اتفقنا أن مثل هذا النوع من العرض من أنواع عرض الحقيقة التي تزيفها باقي وكالات الأنباء".

 

واستطرد: "استطعت الحصول على تصريح لحضور الجلسة، وتسللت مع صحفيتين من (اللوس أنجلوس تايمز)، و(الإذاعة الألمانية)، ووصلنا إلى قاعة المحكمة في قلب الصحراء، وتمَّ تفتيشنا تفتيشًا ذاتيًّا على مرحلتين حتى دخلنا إلى القاعة، وحضرتُ الجلسة ونشرتها كاملةً على مدونتي بعد عودتي، وتأكدت في اليوم الثاني من التغطية الإعلامية أن لي صوتًا وأستطيع أن أنشره ويعرفه العالم أجمع".

 

ويحكي صاحب مدونة "هتكلم وهقول" عن يوم له في المحكمة فيقول: "ترددت كثيرًا في كتابة التدوينة عما حدث،  ولكني أصررت على التدوين إيمانًا مني في أن الكلمة الخارجة من المدونات باتت يحسب لها 1000 حساب"، وأصبحت تؤثر داخليًّا وخارجيًّا، خاصةً أن في هذه الفترة التي كانت المحاكمات العسكرية حديث الساعة فيها، وكانت المدونات هي الأكثر تأثيرًا ونشرًا للقضية".

 

وأضاف: "لا أحد ينسى أن الوسيلة الإعلامية الكبرى التي نشرت القضية عالميًّا، هي مدونة تحمل اسم "انسى"، فكانت للمدونات تأثيرًا حقيقيًّا في انتشار القضية".

 

تواصل عالمي

من جانبه، يقول الدكتور محمود علم الدين رئيس قسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة: إن "الإنترنت" استطاع أن يحقق ما يمكن تسميته بـ"ديمقراطية الاتصال"؛ لأنها تعمل على إزالة كل الفوارق، فأي فرد مهما كان انتماؤه، قد أصبح في إمكانه أن يتواصل مع غيره من البشر بحرية تامة وبلا قيود رقابية، فلا يوجد فرد أفضل من آخر على شبكة "الإنترنت".

 

وأشار إلى أن مكانة الفرد على الشبكة تعتمد على كيفية تعبيره عن نفسه وعن أفكاره عن طريق "الكيبورد"؛ وذلك على عكس وسائل الإعلام التقليدية التي لا يعبر الفرد فيها عن نفسه إلا في أضيق الحدود وبحذر شديد.

 

وأضاف: "ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين خلال تغطياتها في موقع الجماعة أو المدونات التي توسعت تغطياتها خلال المحاكمات العسكرية أنهى عهد الاحتكار الحكومي على عملية تدفق المعلومات، وهو ما يطرح تقلص دور الدولة- وذلك على المدى البعيد-  في توجيه النشاط العام في المجتمع".

 

وأشار إلى أن شبكة "الإنترنت" وسيلة اتصال لا زمنية، لا جغرافية؛ ولذلك فهي غير محدودة بنطاق جغرافي معين كوسائل الاتصال الأخرى، بل هي وسيلة إعلام كونية، وذلك على عكس وسائل الإعلام التقليدية بما في ذلك القنوات الفضائية؛ لأنها محددة النطاق بمجال تغطية معين إذا ما قورنت بشبكة "الإنترنت"، وهو ما يرى أنه يوجد انعكاسٌ بالإيجاب على الاتجاه الجديد من المدونات والشبكات الاجتماعية الإلكترونية.