يجمع الأخصائيون في الصحة النفسية أن الحجر الصحي المفروض على أكثر من مليار شخص حول العالم بسبب جائحة فيروس كورونا، ليس أمرا سهلا ولا موضوعا يستهان به، إذ أنه إجراء استثنائي وغير مسبوق يقيد الحريات الفردية حتى في الدول الديمقراطية. وهذا الوضع يتسبب بمشاكل نفسية للعديد من الأشخاص، خاصة بالنسبة للذين يفشلون في التعاطي بشكل إيجابي مع هذا الظرف.

ولتجنب الأثار النفسية للحجر المنزلي ،يؤكد "آقفر قره أوغلان كاهل أوغوللاري"، مدير برنامج الصحة النفسية بمكتب منظمة الصحة العالمية بتركيا، على أهمية حماية الصحة النفسية أثناء مواجهة فيروس كورونا.

وقال كاهل أوغوللاري في تصريحات صحفية لوكالة الأناضول، إن "الخوف والقلق هي أكثر المشاعر التي تنتشر خلال تلك الفترة، بسبب التحول المفاجئ في الحياة اليومية".

وأضاف أن "الشعور بالخوف والقلق بدرجة معينة رد فعل طبيعي للغاية وله تأثير في الحفاظ على الصحة إلا أن زيادة هذه المشاعر عن الحد المطلوب يجعلها تتسبب في تصرفات غير منطقية".

وتابع أنه "لتجنب حدوث ذلك يجب الحصول على المعلومات من المصادر الموثوقة مثل وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية".

وحذر كاهل أوغوللاري، من أن المبالغة في متابعة الأخبار السلبية عن الموضوع بالقنوات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يمكن أن يؤثر سلبيا على الصحة النفسية للشخص، وأنه يجب التحكم في فترة متابعة هذه الإخبار والاكتفاء بمشاهدتها مرتين فقط في اليوم.

وأوضح أن تقليل المدة المخصصة لمشاهدة مثل هذه الأخبار يمكن أن يساعد في تقليل الشعور بالقلق.

وذكر أنه يمكن استغلال فترة البقاء بالمنزل في قضائها مع العائلة أو التحدث مع الأصدقاء أو ممارسة الهوايات.

وشدد على أهمية ممارسة الأعمال اليومية المعتادة خلال مدة البقاء في المنزل والاهتمام بالتغذية السليمة والنوم المنتظم والمواظبة على التمارين الرياضية.

ولفت كاهل أوغوللاري إلى ضرورة مساعدة الأطفال والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة على اتباع هذه الإرشادات وتذكيرهم بها من وقت لآخر.

وتابع: "البقاء في المنزل سبب تغيرات جذرية في الحياة اليومية، ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان أنه تحت ضغط، ولكن لو تمكنا من استغلال هذه الفترة لتمضية الوقت مع أنفسنا أو عائلاتنا سنتمكن حينها من تحفيف الآثار النفسية لهذه الفترة".

وفيما يتعلق بالحجر الصحي، قال كاهل أوغوللاري: إن "الأشخاص في الحجر الصحي يمكن أن يشعروا بمشاعر مثل القلق والغضب والشعور بالعجز والإنهاك".

وذكر أن "هذه الآثار السلبية يمكن أن تؤثر خلال الأشهر أو السنوات القادمة على الصحة النفسية لهؤلاء الأشخاص، ومن أجل من ذلك يجب إخبارهم بأسباب وضعهم في الحجر وبالمراحل التي سيمرون بها خلال تلك الفترة".

وأضاف أنه "يجب الإبقاء على فترة الحجر الصحي قصيرة قدر الإمكان وعدم مدها لفترة أطول من المتفق عليه مسبقاً ما لم تقتض الضرورة ذلك".

وشدد على ضرورة تلبية كافة احتياجات الأشخاص في الحجر الصحي والتأكيد لهم على أنهم يقومون بتضحية من أجل حماية الآخرين.

وأشار كاهل أوغوللاري إلى أن عدم التعامل جيداً مع مشاعر الخوف والقلق والسيطرة عليهما يمكن أن يتسبب في حالة من الهلع.

وأكد أن "قبول المشاعر السلبية أول خطوة في الحد من آثارها السلبية".

وبالنسبة إلى الأخصائي النفساني المغربي أسامة لحلو، فإن "القلق والتوتر والانفعال" من أبرز "التأثيرات النفسية" التي تنتشر في مثل هذه الحالات.

وقال لحلو في حديث لفرانس24 إن الذين هم في وضعية نفسية هشة معرضون "أكثر من غيرهم للإصابة بهذه المشاكل النفسية".

ويؤكد مركز الدراسات البريطاني "معهد كينجز كوليدج" في دراسة نشرت بالمجلة الصحية "دو لنسي"، أن "الحجر الصحي عموما هو تجربة غير مرضية بالنسبة لمن يخضعون لها"، ويعتبر أن "العزل عن الأهل والأحباب، فقدان الحرية، الارتياب من تطورات المرض، والملل، كلها عوامل يمكنها أن تتسبب في حالات مأساوية".

 ويلفت المعالج النفسي أسامة لحلو أن "العامل الاجتماعي مهم ويمكن أن يؤثر بقوة في نفسية الأشخاص الموجودين رهن الحجر الصحي" مضيفا أن الأشخاص الذين يفقدون وظائفهم في مثل هذه الظروف قد يتعرضون لمشاكل نفسية. "فالصعوبات المادية الخطيرة يمكن أن تتسبب في مشاكل نفسية" حادة، حسب ما صرح لفرانس24 البروفيسور نييل غرينورغ من معهد "معهد كينجز كوليدج" وهو أحد موقعي الدراسة التي نشرت بالمجلة الصحية "دو لنسي".

ولطريقة تدبير وقت الحجر الصحي في المنازل أهميتها في تجنب الوقوع في مشاكل نفسية أو أسرية. ويرى الأخصائي المغربي في العلاج النفسي أسامة لحلو أنه يمكن الاستفادة من وقت الحجر الصحي "بطريقة إيجابية، إذا تمكنا من استغلاله في أمور تعود علينا وعلى أسرنا بالنفع".

وليست هناك حلول سحرية لتجاوز الوقوع في مشاكل نفسية أو التصادم مع المحيط العائلي، كما يحاول أن يشرح لنا الأخصائي المغربي. فالأمر مرتبط باجتهاد الأولياء في إيجاد أنشطة يمكن أن تشغل جزءا مهما من الوقت "الطويل" خلال العزل الصحي، حيث من المفروض أن تكون لهم "رؤية استباقية" لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال الاستمرار في الحجر الصحي دون منهجية واقية من الوقوع في مخاطر نفسية واجتماعية.

ويؤكد لحلو أن التعرض بشكل مستمر للأخبار لا يساعد الصحة النفسية لدى الأشخاص الموجودين رهن الحجر الصحي. وينصح أن "يتم استماع ومشاهدة الأخبار في مناسبة واحدة خلال اليوم من وسائل إعلام رسمية، والابتعاد عن جميع الأخبار التي يكون مصدرها أفراد أو جهات غير معروفة". وبدوره يلفت البروفيسور نييل غرينورغ إلى أن "الأخبار الزائفة ووسائل الإعلام يمكن أن تغذي القلق...".

ولقضاء وقت الحجر الصحي يوميا في أجواء "هادئة ونافعة"، يقترح الأخصائي المغربي وضع جدول زمني محدد، يتضمن كل ما يجب القيام به خلال اليوم، مع تحديد ساعات دعم للأطفال في تلقي دروسهم وإنجاز تمارينهم. ويرى أن الحجر الصحي فرصة للاستفادة من الدفء العائلي بمشاركة الأسرة أنشطة ترفيهية، دون أن ينسى أهمية الرياضة للجميع في مثل هذه الأوقات.

وحذر من الانغماس في أساليب عيش غير صحية أثناء الحجر الصحي، حيث يكتفي البعض بالأكل والنوم، وهذه الشريحة ستكون أكبر المتضررين أيضا أثناء انتهاء الحجر الصحي، لأنهم سيفقدون الإيقاع الاعتيادي للحياة اليومية، ويصعب عليهم التأقلم مجددا معها. كما يحذر الأطباء من الإدمان على الكحول خلال هذه الفترة.