لم يخف على أحد الحالة الصحية المتردية التي كان يعيشها الشعب المصري في هذه الفترة؛ حيث كان ثالوث الفقر والجهل والمرض يحيط بالإنسان المصري من كل مكان، فلم ينكر ذلك مؤرخ منصف أو متحامل لتاريخ مصر في القرن العشرين.

ولذا اهتم الإخوان المسلمون منذ قيام جمعيتهم بالصحة العامة، حيث اعتبرها الإمام البنا جزءًا من الإصلاح الاجتماعي، كما أشار في رسالة «نحو النور» في بداية الثلاثينيات قائلًا: «إن الأمم الناهضة في حاجة إلى الجندية الفاضلة، وقوام هذه الجندية صحة الأبدان وقوة الأجسام، ودلل الإمام على ذلك من القرآن بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾[البقرة: 247]، ومن السنة بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

وكان من أهداف التربية الجسمية أن يكون الجسم صحيحًا خاليًا من الأمراض، ولذلك أوجبت الجماعة على كل عضو من أعضائها أن يبادر بالكشف الصحي العام، وأن يأخذ علاج ما يكون فيه من أمراض، وأن يهتم بأسباب القوة الجسمانية، وأن يبتعد عن أسباب الضعف الصحي فيمتنع بتاتًا عن التدخين، وأن يتجنب كل خمر ومسكر ومفتر كل الاجتناب، وألا يشرب البن والشاي إلا لضرورة، وأن يهتم بالنظافة في كل شيء.

الصحة في الإسلام

حرص الإسلام كل الحرصِ على أن يتمتع المسلم بالصحة الجسمية والنفسية، فبهما يقوى الإنسان على العبادة وعمل الخير لنفسه ولأهله ولأمته، وبهما يكون قادرًا على عمارة الأرض.

والصحّة في الإسلام بمفهومها الواسع تتضمّن جميع معاني الاستواء والتوازن، وفي مفهومها الشامل تستوعب كامل حياة الإنسان من حيث الجسم، والروح، والعقل، والسلوك، والخلق، والفطرة، فالفرد هو اللبنة الأولى للحياة الإنسانيّة، حيث يحظى بقدر كبير من الاهتمام في الدين الإسلامي لينشأ سليمًا صحيحًا.
يقول النبي ﷺ فيما رواه البخاري وغيره عن ابن عباس: «نعمتان مغبون فيهما كَثير من الناس: الصحة والفراغ»، كما يقول عليه الصلاة والسلام: «ما أوتي أحد بعد اليقين خيرًا من معافاة» (رواه ابن ماجَة).

ومن مظاهر عناية الإسلام بالصحة، أنه وضع لها الوسائل الوقائية، والأساليب العلاجية، للمحافظة عليها، وتوقي الأمراض قبل حدوثها، فالوقاية خير من العلاج، والحقيقة أن موقف الإسلام من الصحة والوقاية وسلامة الأبدان موقف لا نظير له في أي دين من الأديان، فالنظافة فيه عبادة وقربة، بل فريضة من الفرائض، حيث إننا نجد كتب الشريعة في الإسلام تبدأ أول ما تبدأ بباب عنوانه «الطهارة» أي النظافة، فهذا أول ما يدرسه المسلم والمسلمة من فقه الإسلام لأن الطهارة هي مفتاح العبادة اليومية «الصلاة» فلا تصح الصلاةُ إلا بالطهارة ونظافة الثوب والبدن والمكان من الأخباث والقاذورات، لقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ} (المائدة:6).

التربية الصحية للإخوان

لم يطالب الإخوانُ الناسَ بحسن التداوي والأخذ بالأسباب ويتركوا أنفسهم، بل اعتنت الجماعة بتربية أفرادها الصحية والجسدية خير اهتمام حتى أنها كانت تكلف أفرادها بالكشف الدوري كل فترة حتى يطمئن على صحته، وبلغ الأمر أن خصصوا أيامًا في كل شعبة لأفراد الإخوان للكشف الشامل.
حتى جاء في لوائح الجماعة عام 1945م تحت (الباب الأول: الغاية والوسيلة): تأسيس المنشآت النافعة للأمة روحيًا واقتصاديًا ما أمكن ذلك كالمشاغل والمستوصفات الطبية والعيادات الخيرية والمساجد وإصلاحها وترميمها والإنفاق عليها والإشراف على إدارتها وإحياء الشعائر فيها: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36].

وجاء في تقرير الإخوان عن نشاط عام تحت عنوان واجبات الشعب ما يلي:
1-    أن يكون بها سجل طبي لتسجيل حالة الإخوان الصحية، ويطلب من المكتب العام.
2-    أن تؤلف بها لجان للخدمة العامة؛ من مساعدة الضعفاء، وزيارة المستشفيات، وجمع الصدقات، وزيارة الأسر الفقيرة.
3-    دراسة قواعد الصحة العامة مع العناية بالأمراض المحلية.
4-    تشجيع الأطفال على العناية بملابسهم وحاجياتهم وأجسامهم.

كما أصدرت جريدة الإخوان عددًا خاصًا بالصحة حرره نخبة من كبار الأطباء، وتكرر هذا الأمر لمدة أسبوعين أي خلال عددين من الجريدة أسبوع الصحة الأول والثاني، وجاء على غلاف المجلة: «عدد صحي ديني خاص».

كما أعد مكتب الإرشاد العام مشروعًا صحيًّا عام 1939م تضمن تقسيم شعب الإخوان وفروعهم إلى مناطق، وقد أعد لكل منطقة وحدة صحية تتألف من أطباء أفاضل من الإخوان ليقوموا بالكشف الطبي العام على جميع أعضاء الإخوان المسلمين وفقًا لاستمارات خاصة تمهيدًا لتشخيص مرض كل عضو، ووصف الدواء اللازم، والإشارة للعلاج الواجب في كل حالة، وقد جعل المسئول عن هذه المهمة الدكتور محمد أحمد سليمان، وتم تحديد أول يوليو عام 1939م لبداية هذا المشروع.

حتى إن «النذير» كتبت تحت عنوان: «من القسم الصحي للإخوان المسلمين إلى الإخوان» أشارت فيها إلى الوضع الصحي المتردي لكل طبقات الشعب، وهذا ما جعل الإخوان يفكرون في إنشاء قسم صحي يعمل على تحسين صحة الإخوان، وعلاج مرضاهم، وإرشادهم إلى طرق توقي الأمراض، ومنع تفشي الأوبئة بينهم، وليس ذلك من الكماليات، بل هو من أشد مستلزمات الدعوة التي تهتم بالجانب الروحي والجسدي معًا.

بل أقاموا بعض المشروعات الطبية ومن ذلك المشروع الطبي الذي اتخذته شعبة الإخوان في بنها، والذي نشرته مجلة البشرى، جاء فيه: «ابتُدئ من أول الأسبوع الماضي بتنفيذ المشروع الطبي للإخوان المسلمين، والقاضي بالكشف على جميع الإخوان طبيًّا وعلاج المريض منهم، ولقد قام حضرة الأخ الدكتور مصطفى على عبد الله بك (وكيل الإخوان المسلمين ببنها) بالكشف على حضرات الإخوان، مُبديًا لهم نصائح غالية وإرشادات حكيمة. قوَّاه الله وأعزه بإسلامه».

وتحت عنوان «نداء للإخوان» في نفس العدد بالمجلة «ترجو سكرتارية الإخوان المسلمين ببنها حضرات الإخوان الذين لم يوقع عليهم الكشف الطبي أن يحضروا لمكتب السكرتارية لاستلام الاستمارات الخاصة بهم، والمرجو من حضراتهم مراعاة الدقة في المواعيد بعد صلاة المغرب من كل يوم، والله أكبر ولله الحمد».

بل قام الإخوان بإنشاء قسم في الجماعة سمى القسم الطبي كان يشرف عليه د/ محمد أحمد سليمان- عضو مكتب الإرشاد- تم تطويره وعملت لائحته وتحددت أهدافه، وهي:
1-    إنشاء العيادات والمستوصفات والمستشفيات والإشراف على تنظيمها وإدارتها.
2-    العمل على تحقيق التأمين الصحي للإخوان.
3-    العمل على نشر الدعوة الصحية ورفع المستوى الصحي لجميع الطبقات بكافة الوسائل، ومعاونة الهيئات الرسمية والشعبية في مقاومة الأمراض المتوطنة والأوبئة عن طريق النشر والإذاعة والمحاضرات.
4-    توثيق الصلة بين الهيئات الطبية وهيئة الإخوان المسلمين في مصر والبلاد العربية والإسلامية بإرسال الوفود والبعوث، وعقد المؤتمرات وحضورها، واستقبال المندوبين.

ومن عظيم التربية التي عمل الإخوان على غرسها في نفوس الجميع حتى الأطباء فقد حددوا مواصفات لاختيار الأطباء تتمثل في: توفر المقدرة العلمية، والكفاءة العملية، وحسن السيرة، والغيرة الدينية.

الإخوان والتربية الصحية العامة

من منطلق القرآن الكريم والسنة المحمدية والتي تعهد الإخوان الالتزام بما جاءا فيهما وضع الإخوان رؤية استراتيجية للرقي بهذه الشعيرة المهمة التي يتجاهلها البعض سواء تحت ضغط الفقر أو الكسل أو الخرافات، أو سوء التربية الصحية، ولذا اهتم الإخوان بتقديم التربية والرعاية الصحية للجماهير بأقل تكلفة، عن طريق إنشاء العيادات والصيدليات، وقد كانت منشآت الإخوان الطبية مضرب الأمثال بين الناس، خاصة في ظل تردي الحالة الصحية للشعب المصري، ولعل أبرز ما يؤكد ذلك تقرير إحصاء وزارة الصحة المصرية حول حالة المرض التي يعيشها الشعب المصري عام 1944م، حيث جاء في التقرير أن 90٪ من المصريين مصابون بأمراض العيون، و55٪ بالبلهارسيا، و30٪ بالإنكلستوما، و15٪ بالملاريا، و12٪ بأمراض سرية، و3٪ بالسل، كما جاء في إحصائية لوزارة الشئون الاجتماعية في نفس العام أن 12مليون مصري من إجمالي عدد سكان مصر الـ16مليونًا لا يتمتعون بأية ميزة اجتماعية أو صحية، وأنهم يعيشون كأنهم في القرن الخامس عشر الميلادي.

وقد تحقق خلال هذه الفترة وفي وقت قصير جانبًا مما كان يتمناه الإمام البنا، حيث أخذت كل شعبة على عاتقها أن تنشئ مستوصفًا خيريًّا لكافة أبناء الشعبة، وذلك بمعاونة القسم الطبي.

ولقد تقدم الدكتور عبد الحليم الوشاحي– المسئول الطبي في الإخوان- باقتراح لوزارة الصحة بأن تسمح بنظام المستشفيات الحرة على غرار المدارس الحرة، وأن تحتفظ بحق الإشراف والرقابة عليها، حيث إن من الصعب والمكلف على الوزارة أن تنشئ مستشفى في كل بلد وقرية، فما المانع من أن تترك للأطباء هذا الأمر نظير مكافآت مالية، أو ضمان ربح معقول مثلما فعلت وزارة المعارف حتى تنتشر المستشفيات في ربوع البلاد، بدلًا من المرض الذي يفتك بالمواطنين لعدم وجود المستشفيات، وعندما صرح الدكتور توفيق شوشة بك وكيل وزارة الصحة بأنه ليس لدى الوزارة مانع من تشجيع كل طبيب يحاول أن ينشئ مؤسسة صحية يديرها، طالب الإخوان الوزارة بدراسة اقتراح الدكتور الوشاحي لتعميم النفع العام.

ولذا اعتنى الإخوان بالمستوصفات في كل شعبة لتعمل على خدمة الناس ومنها ما كان في أسيوط فقد افتتح الإخوان العيادة الطبية، وكان مديرها الدكتور عباس محمد حسين، وكانت العيادة تقوم بمعالجة جميع المرضى مجانًا، شاملًا العلاج لجميع الأمراض على اختلاف أنواعها، من التاسعة إلى الحادية عشرة صباحًا يوميًا، ما عدا يوم الجمعة.

وقد بلغ شدة الإقبال على هذه العيادات أن المستوصف الخيرى الذي أنشأه الإخوان المسلمون بطنطا بلغ عدد المرضى الذين عولجوا فيه من مختلف الأمراض بعد أقل من شهرين ونصف من نشأته 1233 مريضًا ما بين رجال وأطفال ونساء، وقد أعد هذا المستوصف بجميع الأدوات والأجهزة وغرف الكشف وأدوات التحليل والفحص، ويشرف على العلاج فيه خلاصة أطباء المدينة كلٌ في اختصاصه.

وعندما ظهر مرض الملاريا بقنا وأسوان انتفض الإخوان لهذه الكارثة الصحية، وانتقدوا هروب الأغنياء لترك إخوانهم الفقراء والبؤساء دون إعانة أو مواساة.
وقد دعا الأستاذ صالح عشماوي رئيس تحرير مجلة الإخوان كافة الإخوان بسرعة التبرع بما لديهم من مال عن طريق جريدة «الأهرام» التي كانت تتلقى التبرعات، وأن يدفعوا كل ذي مروءة وشهامة أن يجود بما لديه من مال أو كسوة أو غذاء، كما طالب بالإلحاح في الدعاء إلى الله لرفع البلاء عن إخوانهم في قنا وأسوان، وأن يشفي مرضاهم ويرحم موتاهم، وطالب إخوان شعبتي قنا وأسوان بضرورة الاعتناء بالمصابين ومواساة المفجوعين، وأن يجعلوا من دور الإخوان معسكرات لتجنيد المتطوعين لتوزيع الدواء في كل مكان، وأن يسعوا إلى الناس في أماكنهم شارحين طرق الوقاية من هذا المرض وأساليب العلاج.

وفي بداية الحرب العالمية الثانية كون الإخوان فرقًا للإنقاذ جاهزة للإسعافات في حالات الكوارث والطوارئ، وكان مقرها المركز العام، وكان يتم تدريب أعضائها تحت إشراف الأستاذ محمد نبيه عبد المجيد مندوب مصلحة الوقاية، وكان يقوم بتدريب الأعضاء على اتقاء الغارات الجوية المحتملة أثناء الحرب، ويعد منهم فرقًا للإنقاذ؛ حتى أن مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين أوفد بعثة طبية للمساهمة في إغاثة منكوبي سوريا أثناء غارة فرنسا عليها.

وعندما ظهر وباء الكوليرا في مصر سارعت الجوالة بمساعدة المرضى في كل الشعب، وأصدر المركز العام نشرة إخبارية حوت قرارات مكتب الإرشاد إلى الإخوان العاملين جاء فيها: «في جلسة 23 سبتمبر 1947م الموافق 13 ذو القعدة، قرر مكتب الإرشاد إرسال خطاب لوزير الصحة يُعلِمونه استعداد أربعين ألف من جوالة الإخوان المسلمين للتطوع في فرق مكافحة الكوليرا، وفى جلسة 5 أكتوبر 1947م قرر المكتب إرسال خطابا آخر لوزير الصحة باستعداد مستوصفات الإخوان للقيام بعملية التطعيم ضد الكوليرا وتجهيز عشرة سيارات للمرور في الأحياء الموبوءة لعملية التطعيم ومساعدة وزارة الصحة.

كما أصدر المركز العام تكليفات للمكاتب الإدارية في المحافظات بتكوين لجنة لمكافحة الكوليرا بكل شعبة وأن يختار لها مقر وسكرتير للإشراف عليها، والاهتمام بنشر الدعوة الصحية عن طريق المحاضرات في المقاهي والأندية والمجتمعات العامة والمساجد بواسطة- أطباء الإخوان، وزيارة الأحياء والقرى والكفور وحث الناس على اتباع تعليمات وزارة الصحة، وتكوين لجان إغاثة لإعانة المنكوبين وأسرهم، والتبليغ الفوري عن الإصابات.

عادات ضارة بالصحة

أبدع الإخوان في السير قُدُمًا في منهجهم التربوي الصحي حيث لم يكتفوا بالتوعية الإعلامية أو التنفيذ على أرض الواقع بإنشاء المستشفيات والمستوصفات لعلاج الناس، بل حرصوا على توعية الناس بالعادات السيئة التي قد تضر بالصحة، فتحت عنوان: « معركة الذباب» كتب محمد لبيب البوهي يوضح الآثار المترتبة على إلقاء المخلفات وتجمع الذباب عليها وما تنقله من أمراض للفرد، وطالب الحكومة بالإسراع بتنظيف الشوارع ورشها والقضاء على الذباب.

كما بيّن الإخوان الأضرار الناجمة عن التدخين، وطالبوا بإغلاق الشركات المنتجة لها ومنع استيرادها، وقاموا بحملة توعية للشعب ضد أضرار التدخين، فكتبت المجلة توضح ذلك تحت عنوان: «حارِبوا التدخين»، حيث وضحت الآثار المترتبة عليه من خفقان للقلب واصفرار الأسنان، وإعاقة التنفس، وضعف قوة الإنسان الجسدية، هذا غير الرائحة الكريهة التي يسببها.

كما حرصت مجلة الإخوان على إظهار الانتهاكات التي مارستها الحكومة ضد الشعب في كفر الشيخ، حيث اعتنت الحكومة بحيوانات تفتيش سخا بأن مدته بالماء النقي والطعام، في حين أن أهالي سخا الفقراء يشربون من مصارف الصرف الصحي، كما أن الحكومة مدت مواسير المياه النقية لمحطة تربية سخا ودفعت أموالًا باهظة في حين ضنت على الأهالي بوصلة صغيرة من هذا الماء.

كما قام الإخوان بفتح مستوصف في إمبابة عام 1953م وأشرف عليه الدكتور أحمد الملط، وهو الذي أسس الجمعية الطبية الإسلامية عام 1978م والتي انتشرت في ربوع القاهرة لتخدم أبناء الوطن وما زالت تقوم بهذا الدور الريادي.

وحينما ضُيِّقَ على الإخوان؛ أبدعوا فنّ العمل الخيري الصحي من خلال القوافل الطبية التي كانت تجوب القرى والمحافظات، والتي لمس أثرها كل فرد في أرض مصر، ولقد نظَّم الإخوان المسلمون بالسويس قافلةً طبيةً عقب صلاة الجمعة يوم 27/ 5/2011 داخل مستشفى الشروق في منطقة الجناين، بالتنسيق بين وزارة الصحة، وغيرها على مدار السنين.

أثر التربية الصحية على الجماهير

كان لاهتمام الإخوان بهذا الجانب والنبوغ فيه بتقديم أفضل الخدمات مع رعاية وضع وظروف الناس تأثيرًا عظيمًا عليهم حتى أن أعداد غفيرة كانت ترتاد هذه المستوصفات والمستشفيات– حتى وقتنا هذا- لما لمسوه من حسن خلق للعاملين فيها، وحسن الرعاية، والتشخيص الجيد للمرض، مما دفع بعض الصحف– بالمنصورة- أن تكتب إشادة بهذا المجهود حيث ذكرت أن عيادة الإخوان المسلمين وصيدليتهم تنافس المستشفيات الأميرية بما حازته من ثقة المرضى، وأينما سِرت في الشوارع سمعت على ألسنة العامة من البنات والنساء والأطفال النصيحة للمرضى بالذهاب إلى عيادة الإخوان المسلمين. ولا شك أن هذا نجاح باهر يدل على صدق عقيدة هؤلاء السادة الذين يقومون بهذا الأمر في هذه الشعبة».

وقد نشر في جريدة الإخوان المسلمين إحصائية عن عدد المرضى الذين قام أطباء مستوصف المركز العام بعلاجهم خلال ثلاثة أشهر من عام 1945م، حيث زاد عددهم عن ستة آلاف وسبعمائة مريض، قام المستوصف بعلاجهم؛ مما يوضح أثر تلك المستوصفات في توفير رعاية الصحة لعامة الشعب المصري، وإليك تلك الإحصائية:

وكانت كثير من قرى ومدن الأقاليم ليس بها مستشفى قروي ولا مركزي ولا رمدي ولا جراحي، ولا مركز لرعاية الطفل، ولا منشأة صحية اللهم إلا أحيانًا مستشفى للبلهارسيا والإنكلستوما، وهذا ما ضاعف تفشي الأمراض، حتى إن بلدًا مثل فرشوط بالصعيد أرسلت إلى مجلة «التعارف» تستغيث من هذا الوضع رغم أنها تتوسط منطقة يزيد عدد سكانها عن الستين ألفًا من الأنفس.

وقد تلقى الأستاذ البنا خطابا من الدكتور نجيب إسكندر باشا وزير الصحة جاء فيه:

«حضرة صاحب فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين،

تحية طيبة وبعد،،،

بالإحاطة إلى خطابكم الخاص باستعداد مستوصفات الإخوان المسلمين بجميع نواحي القطر بعمليات التطعيم في مناطقها ضد الكوليرا، فإني أقدر بالعرفان هذا الواجب الوطني لما ينطوي عليه من عاطفة كريمة وروح طيبة نحو مواطنينا الأعزاء، وسوف لا تتأخر الوزارة عن قبول مساهمتكم في العمل الذي أشرتم إليه في خطابكم في الوقت المناسب، ولا يسعنا إزاء هذه الوقفة الكريمة إلا أن نبعث لفضيلتكم بموفور الشكر مقدرين حسن معاونتكم لنا في مقاومة وباء الكوليرا. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».