أجرى الأستاذ أبو الخير نجيب رئيس تحرير جريدة (الجمهور المصري) حديثًا صحفيًا مع الإمام البنا عقب حل الجماعة واغتيال النقراشي باشا في جمعية الشبان المسلمين التي كان الإمام البنا يتردد عليها (وذلك قبل اغتياله بأسبوعين)، وهذا هو نص الحوار، يقول الأستاذ نجيب:

ما كاد يراني حتى ترك أوراقه التي كانت مكدسة فوق مكتبه، يدون مذكراته التي أعدها ليسلمها للمحامين الذين سيتولون الدفاع عن الجمعية أمام مجلس الدولة، وكذلك كشوف أسماء المعتقلين وأعمالهم وأحوالهم وأسرهم وممتلكات الجماعة المصادرة.
 
قال أبو الخير: إني سعيد أن أرى على وجهك هذا البشر والإشراق الذي يعبر عن عدم مبالاتك بما حدث.
 
قال المرشد: مرحبًا بما حدث، وبما حدث، وبما سيحدث، إن دعوة كدعوتنا ورسالة كرسالتنا إن لم تكن تلق مثل ما لقيناه وأكثر فلن تسمَّى دعوة، وهكذا شأن جميع الدعوات، وهل تظن أننا كنا نعتقد أننا سنصل إلى تحقيق رسالتنا على طريق مفروش بالزهور والرياحين، وإننا لم نفاجأ بهذه الإجراءات الظالمة على الرغم من قسوتها، بل إننا كنا نتوقعها وكنا نعرف تمامًا أننا سنصطدم بها، ولقد بصَّرت أنصارى بذلك، وأعددتهم لهذا المصير، ولقد كان شعارنا وسيظل إلى الأبد: الموت في سبيل الله أسمى أمانينا. وتثق أن الغلبة في النهاية ستكون للحق، وأن النصر سيكون في جانب المؤمنين مهما بَعُدت الشقة.

إن دعوتنا سبيلها الجهاد والاستشهاد، ولقد وطَّن الإخوان أنفسهم على حب الجهاد والاستشهاد، ولقد خبرتهم حرب فلسطين فكانوا مجاهدين، لقد قذفنا بهم إلى المعركة على الرغم من الصعاب والعقبات التي صادفتنا في تدريبهم وتسليحهم، وأؤكد لك أن أمر المعركة لو تُرك لنا منذ البداية وحملنا المسؤولية لتغير الوضع.

س: ما هي الأسباب التي تعتقد أنها سبب مباشر في حل الجماعة؟
 
قال المرشد: هناك عاملان أحدهما خارجي والآخر داخلي، فأما العامل الخارجي فهم الإنجليز والأمريكان واليهود، لقد فطن هؤلاء إلى أن الإخوان هيئة قوية منظمة، يؤمن أفرادها برسالتهم إيمانًا قويًا، وأن من أسس رسالتهم تحرير وادي النيل وبلاد العرب حتى يستعيدوا مجدهم السالف، وآمنوا بأننا الهيئة العاملة التي تحول بينهم وبين تنفيذ رغباتهم ونزعاتهم، وقد اختبروا شكيمتنا فوجدونا لا نلين.
 
والعامل الداخلي: هو اعتزام الحكام الرضوخ والاستسلام لهؤلاء القوم، ويقينهم بأن نشاط الإخوان وخاصة في السنوات الأخيرة هو الذي حال بينهم وبين ما كانوا يعتزمون، ثم شعور النقراشي بأننا قد فطنا إلى أن موقفه من الإنجليز في مجلس الأمن الذي أبدينا ارتياحنا له في بادئ الأمر ما كان إلا رواية أحسن إخراجها وتمثيلها، وأننا قد أصبحنا نضيق ذرعًا بسياسته الجديدة التي اتبعها عقب عودته من مجلس الأمن، والتي أطلق عليها سياسة التجاهل وهي في الواقع التنويم والتخدير. كما أنه يعلم جيدًا موقفنا من سياسته الخاطئة التي اتبعها أثناء حرب فلسطين والتي أوصلتنا إلى أوخم العواقب.
 
في مساء 7 ديسمبر بلغني أن محمود فهمي النقراشي سيوقع الليلة أمرًا بحل الإخوان، فأردت أن أستجلي الأمر، فاتصلت بعبد الرحمن بك وأخبرته بما ترامى إلي، فنفى ذلك وقال لي: إنه ليس هناك ما يدعو إلى ذلك. ولعلك تعجب إذا علمت أنه في الوقت الذي كان ينفي لي فيه صحة الخبر كان يرفع مذكرته المعروفة للنقراشي باشا ليوقعها، ويصدر أوامره لرجال البوليس كي يكونوا على أهبة الاستعداد لإجراء حركة التفتيش والاعتقال التي استهدفت لها الجماعة ورجالها في هذه الليلة!!.
 
س: ماذا عما قيل من أن للإخوان أغراضًا انقلابية، وأن ولاءهم للعرش مشكوك فيه؟
 
قال المرشد: إن هذا ادّعاء باطل من أساسه، وإني أتحدى من يقيم عليه أي دليل يؤيد صحته. فإذا كانوا يعتبرون أنّ ما نادينا به وعملنا له وما سنظل ننادي به ونعمل لبلوغه – إن شاء الله – هو أن يرجع المسلمون إلى الله، منفذين تعاليمه القويمة، وأن يكون أساس حكمهم ما أنزله الله تعالى من آيات بينات، إذا كانوا يعتبرون هذا انقلابًا فلهم ما يعتقدون.
 
ولقد حاولت أن أبين هذه الحقائق، ولكن ما حيلتي وقد حالت الرقابة على الصحف بيننا وبين الدفاع عن أنفسنا!!؟
 
س: إلى أي مدى من الصحة ما يقال من أن أحزاب الأقلية كانت تسير جمعية الإخوان في ركابها ضد الوفد؟
 
قال المرشد: حاشا لله أن نكون في الماضي أو في الحاضر أو المستقبل ذيلا لأحد، ولعلني لا أعدو الحقيقة إذا قلت لك: إن من الأسباب المهمة التي دعت حكومة النقراشي لمحاربتنا هو عدم مسايرة رغبتها في محاربة الوفد، وأحب أن أوضح لك أن فترة العداء التي وقعت بين الوفد والإخوان لم تكن نتيجة توجيه إحدى الهيئتين، بل نتجت عن الاحتكاك الذي وقع بين شباب الهيئتين، ثم تطور هذا الاحتكاك إلى تصادم، وكان من الممكن تلافيه لولا أن عناصر السوء انتهزت الفرصة، فأشعلت الفتيل فاستحال التفاهم.
 
س: تردد أنكم كنتم على علم بمقتل النقراشي؟
 
قال المرشد: أؤكد لك أنني فوجئت بمقتل النقراشي كأي إنسان آخر، ولقد علمت بالنبأ من أحد كبار الصحفيين الموالين لحكومة النقراشي، وكنت أتحدث معه عقب اللحظة التي تم فيها الاغتيال، مستفسرًا منه عما وصلت إليه مساعيه في أمور كنت قد رجوته بوصفه من المتصلين بالنقراشي اتصالًا وثيقًا أن يبذل مساعيه لديه كي يقنعه بها، فقال لي: مساعي إيه، إن النقراشي قد قتل الآن.
 
ثم كيف كان لي أن أعلم بهذا الأمر أو أشير به وأنا أعلم أنه سيضر بقضية الإخوان ولا ينفعها، وأؤكد لك أنه لو كان قد أتيح لي الاتصال بأنصاري حتى أبصرهم بما يفيد وما يضر لما وقع هذا الحادث.