من تراث فضيلة المرشد الراحل الأستاذ/ عمر التلمساني

في مقال بعنوان (حوار جدير بالاهتمام) للأستاذ/ "مصطفى بهجت بدوي" يقول سيادته في كلمته المُنصِفة، متحدثًا عن بعض الشباب: "ولكن أين دور القيادات والإخوان الحقيقيين الراسخين؟ لا أخالُهم- وهم العقلاء الأذكياء- خفِيَت عليهم مقدمات جماعة التكفير والهجرة!! كيف تغاضَى هؤلاء الإخوان المسلمون عن بداهةِ أنَّ المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده؟، إني أعاتبهم...".

وأبادر فأشكر له عتابه المحمودة عواقبُه، ثم أقول لسيادته إنهم بدأوا أول ما بدأوا في معتقل مزرعة (ليمان طرة)، وكان المرحوم الأستاذ "الهضيبي"- مرشد جماعة الإخوان المسلمين- لا يزال آنذاك في سجن طرة يستوفي مدة السجن التي حُكِم بها عليه، فلما أنهاها لم يذهب إلى بيته، ولكن أخذته سلطة ذاك الزمان إلى معتقل مزرعة (ليمان طرة)، وهناك علِم بأمر هذه الأفكار، فاستدعى أصحابها واحدًا واحدًا، وناقشهم فأظهروا الاقتناع برأيه، فيما يبدو منهم مع فضيلته، فإذا ما رجعوا إلى بعضهم البعض عادوا لِمَا كانوا عليه، وفي نفس الوقت كان الإخوان الملتزمون بتعاليم دعوتهم- المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح- كان هذا الفريق من الإخوان يلتقون بهم فرادى وجماعات؛ ليوضحوا لهم الحقائق، ولا أظن أننا نملك مع هؤلاء أكثر من هذا، وليس في أيدينا إلا سلطة الإقناع وتقديم الحُجَّة، ونحن في هذه الناحية لم نقصر في هذا المجال فيما أحسب، ولئن قبِلْنا عتاب الأستاذ الفاضل فقد بادرنا عن طريق هذه الكلمة وما قبلها إلى تصحيح الأفهام، ولكن ما كان يلقاه هؤلاء الشباب من أنواع التعذيب- التي شرحتها محاكم الجنايات- كان أقوى في أذهانهم من أي إقناع أو محاجة.

إنني قلت وأقول وسأظل أقول إن الإسلام يحرم قتل النفس بغير حق، وأنا أدور مع الكتاب حيثما دار، وهل نسي القُرَّاء أنه كانت في مصر جمعية (اليد السوداء) و(القمصان الزرقاء) وغيرهما؟ قطعًا أنا لا أبيح ذلك، ولكنني أتساءل ماذا وراء هذه الحملة الضاربة على الشباب المسلم؟ ولو أننا تتبعنا الأفعال التي اتُّخِذت مع هذا الشباب المسلم في سراديب السجون وحاولنا إصلاحها والقضاء عليها لكُنَّا أقرب إلى التعقل والعدالة من تركِنا للمقدمات وحمْلتنا على النتائج.

ويعتب الأستاذ "مصطفى بهجت بدوي"- كما عتب (المصور) من قبل، إني لم أقرأ كتاب (توسمات) لـ"شكرى مصطفى" أو (الفريضة الغائبة) للمهندس "محمد عبد السلام فرج"، فعُذري أن "التوسمات" لم يُطبَع فيصبح في متناول الجميع، وأن (الفريضة الغائبة) ليس في الأسواق لا الأمس ولا اليوم، والذين قرأوهما حصلوا عليهما بوسائلهم الخاصة، التي لا تتوافر لديّ، هذا إلى أن ما عندي من الحصيلة الإسلامية يجعلني في غنًى عن قراءة ما يشاع به رأي جائر أو متطرف، ولئن جلست في ندوة فإني على استعداد للردِّ على كل فقرة من فقراته إذا ما قرأها عليَّ قارىء ما.

لقد عرضت- أكثر من مرة- على بعض المسئولين أن نمكِّن الإخوان من محاجَّة هذا الشباب؛ لنصل إلى أمر سواءٍ، ورغم أن هذا العرض كان منذ سنين وفي الأشهر الأخيرة إلا أن شيئًا إيجابيًا أمام هذا الطلب لم يتحقق إلى الآن, فهل ترى أننا لا نزال موضع عتاب؟!

أما رأي سيادته في "جمال عبد الناصر" فهذا حقُّه البديهي، الذي ليس لأحد أن يلومَه عليه، ولكنّني أسأل سيادته مجرد سؤال: لو أن حاكِمًا قام على شعب فأطعمه الشهِيَّ اللذيذ من المطعم، وكساه الحرير والصوف الفاخر، وأسْكنه البناء الفاخر، وأركبه مسافرات الفضاء ثم صادر حريته وكتم أنفاسه واستباح أعراضه، ونهب أمواله، وأذلَّ أهله ورجاله حتى حرمهم الهمس فيما بينهم وبين أنفسهم، وحتى جعل من بعض الأبناء عيونًا على أهلهم، وكلُّ هذا ثابت ومقطوع بوقوعه، تُرى لو أن الأمر نما على هذا النحو أكان في هذا مفخرةٌ لهذا الحاكم الصالح لمواطنيه.. الحرية.. العزة.. الكرامة.. الأمن.. حماية المال والمسكن والعرض، فهذه هي مقومات الشعوب المتحضرة، أما ما عدا ذلك فدهان على وبر لا ينفع الجربان، هذا في نظري هو معيار وزن الحكَّام.
وإني أحاول جاهدًا أن أوضح لسيادته النقاط التي سألني عما فيها من تناقُض.

أولاً: الأحزاب... إن السيد الكاتب يعلَم ما يفعله المرشحون للفَوز بكرسي النيابة ولسنا هناك، قد تسألني ولماذا لا تفعل كما يفعلون؟ والجواب عصمة الدين، قد تسألني ولماذا لا تسلك أنت السبل النظيفة؟ أقول إنها لم تعد تكفي، والشعب على ما هو عليه، هذا إلى جانب تدخُّل السلطة، وهذا أمر مُدوَّن!!.

والأحزاب تسعى للحكم لذاته ونحن لا نسعى إليه لذاته، هذا إلى جانب ما تُولده الانتخابات من تفرقة بين العائلات ومن حزازات في النفوس، والأحزاب قد تُغيِّر من برامجها حسب الظروف والملابسات، فبرنامجها حسب الظروف والملابسات، وبرنامجنا القرآني غير قابل للإضافة أو الحذف.

أما كون الأسماء لا تغير من حقيقة المسميات في شيء فهذه قاعدة أُقِرُّك عليها، غير أن الإسلام- وهو غير مقصور على الناحية السياسية، بل يشمل ضروب الحياة كلها- قد وضع لكل منها ضوابط لن نستطيع الفكاك منها، إذا أضفنا إلى ذلك أن القرآن عند ذكره للأحزاب بصفة الجمع وصفها بغير ما يَرضى، وقد جاء هذا في أربعة عشر وصفًا من القرآن الكريم تقريبًا، وسيادتكم تعلمون مدى حرصنا على هذا الكتاب لفظًا ومعنىً، فإن الله لا يذكر شيئًا عبثًا في كتابه، ثم بعد هذا ماذا يعني الناس إن كنا حزبًا أو هيئة ما دامت العبرة بالعمل الطيب والإنتاج المثمر؟ فليس في الأمر مداورَة ولا تمميع ولا تهرب ولكنَّنا واقعيون.

ثانيًا: ذكرت واقعة المائة والخمسين فدانًا، وعندي غيرها فما حيلتي في هذا؟! ولك أن تتحقق من صدق الواقعة بالأسلوب الذي تراه، هذا إلى أن مثل هذا التصرف له دلالته التي لا تخفى على أحد، وأسال الله أن يقيني سوء الظن بإنسان، إنما أنا ناقل، وناقل الكفر ليس بكافر.

ثالثًا: أن للمرأة في الإسلام ما ليس لغيرها في أية رسالة أخرى ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (البقرة:228)، ففي الوقت الذي كانت فيه بعض الحضارات التي يتغنَّى بها بعض أدبائنا، أمثال فلان وفلان، الأحياء منهم والأموات، تعتبر المرأة شيطانًا لابد من اجتنابه، كان الإسلام يعطي للمرأة من حقوق ما يعطيه للرجل، ويحملها من الواجبات بعض ما يحمله الرجل، أما ذكر ﴿وللرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ (البقرة من الآية 228) فمن ناحية السعي على طلب الرزق، وتحمُّل أعباء الحياة، وضبط رعاية المنزل والأبناء، هذا مع عدم الحيلولة بين المرأة وبين ما تَصلح له من الأعمال التي لا تتنافى مع أنوثتها وحشمتها، وأن بعض فُضليات المؤمنات كُنَّ يخْرجْن مع المجاهدين لسقاية الماء وتضميد الجروح وإعداد القوات وما إلى ذلك.

هذا إلى أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، إن المسلمة غير ملزَمة بتجهيز بيت الزوجية، ولو طبَّقنا اليوم هذا النظام لتفادَيْنا الكثير من التكاليف، فالرجل يصرف ما يلزَمُه لبيته وفْق طاقته ومستواه، والمرأة المسلمة غير مجبَرة على إرضاع وليدها إذا رأت المحافظة على جمال قوامها وتهدُّلِ بعض أجزاء جسمها ﴿وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى﴾ (الطلاق:6)، المرأة المسلمة لها أن تخرج بمفردها لقضاء حوائِجها، ومن لم يصدِّق فليرجع إلى صحيح مسلم الجزء الخامس (طبعة دار الشعب).

المرأة المسلمة حرة حرية كاملة عند التصرف في أموالها وما تملك، المرأة المسلمة تتزين لزوجها كيفما شاءت، حتى لقد قال "ابن عباس"- رضي الله عنه- تطييبًا لخاطرها: "إني أحب أن أتزين لها كما تتزين لي"، ولئن حرم الإسلام الكذب فقد أباحه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للرجل عند ملاطفة زوجته، كأن يقول لها ما أجملك!! حتى ولو لم تكن كذلك.

إن الحوار لم يكن ما بَدا فيه من جانبي هو رأيي الشخصي، ولكنَّه السمة الشائعة بين كل الإخوان الملتزمين بمبادىء الإخوان المسلمين.

---------------

نقلاً عن جريدة الأهرام المصرية - 15/2/1982م- ص 7