نفرٌ قليل ممن تركوا الجماعة مازالوا يصرّون على أنهم أوصياء عليها، فلما قيل لهم إنكم لستم منا ولسنا منكم، شرعوا فى محاولة إطفاء نور الدعوة، وهدم كيان الإخوان، ويأبى الله إلا أن تستمر الحركة، ويزداد أنصارها ومحبوها، ويخزى الله هؤلاء القوم، فيصفهم حتى العامة بأنهم خدم للعسكر طلاب للسلطة. 


ماذا يريد هؤلاء الناس؟!.. لقد أفرغوا كل ما فى جعبتهم من حقد ومكائد، فارتدت جميعها إليهم، فانضموا إلى قائمة العلمانيين والمزورين، فما اهتم بهم أحد، وأخيرًا تعاهدوا مع زعيم الانقلاب على أن ينشئوا كيانًا موازيًا للكيان الأم، يضم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ممن لفظهم الإخوان، بدعوى استقطاب الشباب المسلم إليهم.. وخابوا وخسروا، ألا يعلم الغادرون الفاجرون فى الخصومة أن سيرتهم شائهة لدى هؤلاء الشباب، وأنهم صاروا من بعد الانقلاب محاربين للدعوة الإسلامية، مساندين للدمويين الذين استحلوا الأنفس والأعراض والأموال، داعمين للإلحاد والإباحية فى بلد الأزهر؟ 


وهل هناك خراب عقل أكثر من رجل بقى فى الجماعة المباركة لأكثر من أربعين عامًا حتى وصل إلى أعلى المناصب القيادية بها، ثم يكتب الآن لإحدى الأذرع الإعلامية الانقلابية مقالا دوريًا، لا يتحدث فيه إلا عن إرهاب الجماعة وعنف أعضائها، ومساوئ فكر مؤسسها.. وهو نفسه الذى كان يقول عكس ذلك فى المحافل والمنتديات والمقالات والحوارات عندما كان فى مناصبه تلك.. فهل تغير فكر الجماعة واختلفت أهدافها، أم هو الذى سقط وظهرت مطامعه؟ 


وهذا الذى شاب فى الجماعة، وعين متحدثًا بلسانها لسنوات فى بلاد الغرب، ثم هو يرتد عن هذا الفكر الأصيل إلى فكر منحرف، فصار محاربًا شامتًا، متنقلا بين بلاد العالم -بأموال الشعب- يحرّض على إخوانه الذين آكلهم وشاربهم، ويبارك ما جرى للشيوخ والنساء والأطفال من قتل وسجن واغتصاب وترويع. 


بعض الشباب يقول: إن هذه الظاهرة تحسب على الجماعة لا لها، إذ كيف بقى هؤلاء محسوبين على الإخوان طوال هذه السنوات ولم يعلم ما يكنونه لهم من كراهية وحقد.. وهذا كلام مردود عليه، فإن الفتن لا ينجو منها إلا من عصمه الله، وفى هذا يقول عبد الله بن مسعود: «إذا أردت أن تستن فاستن بميت فإن الحى لا تؤمن عليه الفتنة»، وهؤلاء فيما أزعم قد فتنوا، فتنتهم المناصب والشهرة وحب الظهور، ولو أنهم رضوا باختيارات إخوانهم لعاشوا كرامًا وماتوا كرامًا، لكنهم أبوا إلا الخروج على النظام ورفض الشورى، وقد أخذتهم العزة بالإثم لما قيل لهم ارضوا بلوائح الجماعة التى لا تقبل بهيمنة الكبراء، وتنتهج -فى المقابل- سبل الديمقراطية والاختيار الصحيح. 


وإذا كان باب الجماعة قد أغلق دون عودتهم؛ لشروطهم التى لا يقبل بها منتسب واحد للإخوان، فقد دأبوا على محاولات الهدم والانتقام، ولو قيل لهم إن إبليس لديه خطة لإبادة الإخوان لسارعوا إليه متحالفين متعاقدين، ولو كان يعنيهم مستقبل دعوة أو استقرار وطن ما حرضوا على القتل، وما دعموا الفوضى، وما انضووا تحت لواء العسكر الذين استحلوا كل محرم، وللزموا بيوتهم حتى تزول الفتنة.


أقول لمن تزعجهم هذه الظاهرة: التاريخ شاهد على تلاشى مثل هؤلاء، فلا يذكر التاريخ أحدًا منهم، إنما يذكر صمود كيانات الدعوة وثبات أبنائها، وإن ذُكر أحدهم فمن باب الهجاء والذمّ.. ومن قبل -كما اليوم- هناك كثيرون تبرءوا من الجماعة درءًا للأذى عن أنفسهم وخوفًا من سيف الجلادين أن يطالهم، فكان نصيبهم الخزى ثم سجنوا كما سجن الإخوان، وعذبوا كما عذبوا، ومنهم من تاب بعد ضلال وزيغ فتاب الله عليه؛ لإخلاصه وصدق نيته.. والبون شاسع بين الفريقين. 


إن الله -عز وجل- إذا أراد أن يكرم إنسانًا جعله مع الصالحين، وصيره فى ركب المؤمنين، وإذا أهان إنسانًا ركب فيه الكبر والبطر، وأضله على علم، وجعله مع أهل الفسق المعادين لدين الله -وهو ما رأيناه بأم أعيننا- نسأل الله السلامة.. يقول تعالى: {قٍلً هّلً نٍنّبٌَئٍكٍم بٌالأّخًسّرٌينّ أّعًمّالاْ <103> پَّذٌينّ ضّلَّ سّعًيٍهٍمً فٌي پًحّيّاةٌ پدٍَنًيّا $ّهٍمً يّحًسّبٍونّ أّنَّهٍمً يٍحًسٌنٍونّ صٍنًعْا} [الكهف: 103، 104].