ها هي الشوارع تغرق، والأزقة تغرق، والمحلات، السيارات، والأطفال، والعراق كله يغرق!! مطر، مطر، مطر.. ها هو التل يعلو، ويعلوه حوتًا كبيرًا، يحتسي الشراب، وينفخ الدخان، يرتدي ربطة عنق يخنق بها البلاد!! يضحك ويتجشأ إذ يغرق الوطن، بمياه المطر!! أيها السيابُ.. رفقًا بنا.."منذ أن كنّا صغارًا، كانت السماء تغيمُ في الشتاء ويهطلُ المطر وكلّ عامٍ- حين يعشبُ الثرى- نجوع ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليسَ فيه جوع" لعلك يا بدرُ لم ترً المطر في الألفية الثالثة!! قطراتها الباردة نيران تلهبنا.. تحرقنا.. وأمواج الطوفان الجديد تسبح في أعلاها دولارات الفاسدين!! والشوارع تهبط بإسفلتها المزيف!! وبيوت الصفيح تتهاوى مع أهليها!! وجيكور تغمرها المياه حتى تنمحي ملامحها وتزول تفاصيلها!!

 

في كلّ قطرةٍ من المطر حمراءُ أو صفراءُ من أجنّة الزهر وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة وكلّ قطرةٍ تُراقُ من دمِ العبيد فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد أو حلمةٌ تورّدتْ على فمِ الوليد في عالمِ الغدِ الفتيّ واهبِ الحياة مطر مطر مطر سيعشبُ العراقُ بالمطر" لكننا لا نريد المطر، لا نريد للعشب أن يخضر!! فهو اخضرار بائس، لا طعم له، وهو خير لا يراد؛ لأنه قوت اللصوص والسراق الجدد!! أتعلم يا بدر من هم السراق الجدد؟! هم خليط الكراهية، والحقد، والجشع، والانحطاط، و.. و.. و.. وضعها الزعيم الأكبر في خلاط صنع ببلد المنشأ.. أو بلد الولاء.. لا يهم! خلطها.. مزجها.. انبعثت منها رائحة كريهة.. أغرقها بعطور فرنسا الباهظة.. وبقيت هي الرائحة!! ولا تزال الرائحة.. تعفن الجو.. تبلد الإحساس.. وهنت العظام من الأسى.. جفت الدموع.. بل تيبست حتى تكسرت فجرحت أجسادنا النحيلة، وأغرقت بلادنا بالدماء الممزوجة بمياه المطر.

 

أيها السياب!! ها نحن نغمض العيون جميعًا.. نغني أنشودتك!! مطر مطر مطر.. نعلي أصواتنا بالغناء.. وأيادينا بالعزف على جراحاتنا!! فأنت وحدك من تدرك أية قيمة للمطر!! وصوت أنشودتك هو أعلى وأغلى من ذلك القرف السياسي!! "أكاد أسمع العراق يذْخرُ الرعودْ ويخزن البروق في السّهول والجبالْ، حتى إِذا ما فضَّ عنها ختمها الرّجالْ لم تترك الرياح من ثمودْ في الوادِ من أثرْ" سيزول.. قطعًا كل أنواع القرف،.. ويبقى المطر.

----------------------

* [email protected]